صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (55)

أیوب (1)

الأنبياء المعروفون والأنبياء غير المعروفين

   لقد تعرّض القرآن الكريم لأسماء عدد من الأنبياء, ولم يذكر اسم الكثير منهم. يقول الله سبحانه وتعالى للنبي ص في القرآن الكريم {رُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ}[1].

وقد تمّ الاكتفاء في القرآن الكريم بذكر اسم بعض هؤلاء الأنبياء, بينما تطرّق القرآن إلى حياة بعضهم الآخر وسيرتهم العملية.

   فنجد أنّ اليسع من بين الأنبياء الذين ذُكر اسمهم فقط بين الأنبياء الإلهيين ومن دون شرح لحياتهم {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ؛ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ؛ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ}[2].

   وكذلك ذا الكفل الذي ذُكر اسمه فقط بين الأنبياء الإلهيين {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَ ذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ}[3]. و {وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَ ذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ}[4].

سيرة النبي أيوب

النبي أيوب هو من بين الأنبياء الإلهيين الذين ورد اسمهم في القرآن الكريم, وقد ذُكرت أيضاً مواضيع عن سيرة حياته.

وصف القرآن للنبي أيوب

   لقد عدّ القرآن الكريم النبي أيوب من بين الأنبياء الإلهيين العظام, وهذا يدل على مكانته الكبيرة بين الأنبياء {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا}[5].

الامتحان الإلهي الصعب لأيوب

لم يتعرّض القرآن الكريم للمصائب والامتحانات الإلهية التي مُني بها النبي أيوب, ولكن جاء في التوراة:

كان بارّاً وتقيّاً جدا. وكان له سبعه بنين وثلاث بنات. وكانت عنده سبعه آلاف من الإبل, وخمس مئة زوج من البقر, وخمس مئة من الآتان, وخدم كثيرون. ولم يكن مثله في الشرق مالاً.

وكان بنوه يذهبون ويعملون وليمة في بيت كل واحدٍ منهم في يومه ويرسلون ويستدعون أخواتهم الثلاث ليأكلن ويشربن معهم. وكان لمّا دارت الوليمة أن أيوب أرسل فقدّسهم وبكر في الغد وأصعد محرقات على عددهم كلهم, لأن أيوب قال ربما أخطأ بني وجدفوا على الله في قلوبهم. هكذا كان أيوب يفعل كل الأيام.

وذات يوم حضرت الملائكة أمتم ربهم, وجاء الشيطان أيضاً في وسطهم. فقال الله تعالى للشيطان: من أين جئت؟ وهل رأيت عبدي أيوب؟ قال: جئت بعد أن كنت أتجول وأتمشى في الأرض وقد رأيت عبدك أيوب أيضاً. صحيح أنّ أيوب بارّ ولكن هل مجاناً يتّقي ربّه؟ إنّما يتقيك لأنك أسبغت عليه النعم. ثم انظر كيف يجدّف عليك؟ فقال الله للشيطان دمّر ماله كلّه كما شئت. ولكن لا تمسّ جسمه.

وكان ذات يوم أبناؤه وبناته يأكلون ويشربون خمرا في بيت أخيهم الأكبر. إنّ رسولاً جاء إلى أيوب وقال: البقر كانت تحرث والأتن ترعى بجانبها فسقط عليها السبئيون وأخذوها وضربوا الغلمان بحدّ السيف, وبينما هو يتكلّم إذ جاء آخر وقال: “الكلدانيون عينو ثلاث فرق فهجموا على الجمال وأخذوها وضربوا الغلمان بحدّ السيف ونجوت أنا وحدي لأخبرك”.

وبينما هو يتكلّم إذ جاء آخر وقال: “نار الله سقطت من السماء فأحرقت الغنم والغلمان وأكلتهم ونجوت أنا وحدي لأخبرك”. وبينما هو يتكلم إذ جاء آخر وقال: “الكلدانيون عيّنوا ثلاث فرق فهجموا على الجمال وأخذوها وضربوا الغلمان بحدّ السيف ونجوت أنا وحدي لأخبرك”. وبينما هو يتكلّم إذ جاء آخر وقال: “بنوك وبناتك كانوا يأكلون ويشربون خمراً في بيت أخيهم الأكبر, وإذ ريح شديدة جاءت من عبر القفر وصدمت زوايا البيت الأربع فسقط على الغلمان فماتوا ونجوت أنا وحدي لأخبرك”.

فقام أيوب ومزّق جبته وجزّ شعره …. وسجد وقال: “خرجت من بطن أمي عريانا أعود إلى هناك, الرب أعطى والرب أخذ فليكن اسم الرب مباركاً”.

العبرة من سيرة حياة النبي أيوب

ولم تنتهِ بلاءات أيوب عند هذا الحد, بل كانت هناك امتحانات أكبر من ذلك, وعليه فإنّ ما يمكن درك لجميع الناس وتعلمه هو مشاهدة أنّ جميع النعم من الله وأنّنا مقصرين أمامه, وتكون النتيجة بالصبر على المشاكل وعدم الكفر بالنعم. وهذا مغاير لعدم رؤية النعم الدنيوية من الله والطلب منه مقابل زوالها.

وهنا يقول القرآن الكريم إنّ هذه الامتحانات والبلاءات ستكون لجميع الناس, ولكن ليس بصعوبة ما حلّ على أيوب, ويُعرف مقدارها من خلال إيمان الناس والعطية التي يمنّ بها الله عليهم {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ؛ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ؛ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[6].

[1]  سورة النساء: الآية 164.

[2]  سورة الأنعام: 84-86.

[3]  سورة الأنبیاء: الآية 85.

[4]  سورة ص: الآية 48.

[5]  سورة النساء:الآية 163.

[6]  سورة البقرة:الآية 155-157.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment