صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

 

الأنبياء في القرآن (56)

أيوب (2)

الامتحان الإلهي الأصعب للنبي أيوب

يذكر التوراة امتحاناً إلهياً أصعب للنبي أيوب. وهنا بناءً لما ورد في التوراة نرى أنّه بعد عجز الشيطان عن تضليل أيوب وتكفيره, يطلب الشيطان من الله أن يزيد من المشاكل والابتلاءات على أيوب:

أجاب الشيطان الرب: هل مجاناً يتّقي أيوب الله؟

أليس أنّك سيّجت حوله وحول بيته وحول كل ما له من كل ناحية؟ باركت أعمال يديه فانتشرت مواشيه في الأرض.

ولكن ابسط يدك الآن ومس كل ما له, فإنّه في وجهك يجذف عليك.

فقال ما له الرب للشيطان: هو ذا كل ما في يدك وإنّما إليه لا تمد يدك. ثم خرج الشيطان من أمام وجه الرب. فخرج الشيطان من حضرة الرب, وضرب أيوب بقرح رديء من باطن قدمه إلى هامته.

فقالت له امرأته: أنت متمسك بعد بكمالك؟ بارك الله ومت!

فقال لها: تتكلمين كلاماً كإحدى الجاهلات! الخير نقبل من عند الله والشر لا تقبل؟

عجز أصدقاء أيوب عن الكلام

ويذكر التوراة أنّ ثلاثة أشخاصِ من أصدقاء أيوب قد جاؤوا إليه لزيارته ومواساته, لكن من هول ما شاهدوه وعظيم المصائب التي حلّت عليه والحال التي كان بها عجزوا عن الكلام:

وعندما علم أصحاب أيوب الثلاثة بما لحق به من شر توافدوا إليه من مقر إقامتهم وهم أليفاز التيماني, وبلدد الشوحي وصوفر النعماتي, بعد أن تواعدوا على الاجتماع عنده للرثاء له ولتعزيته… وإذ رأوه لم يعرفوه لفرط ما حلّ به… مكثوا جالسين معه على الأرض سبعة أيام وسبعة ليال… لم يكلمه فيها أحد بكلمة لشدة ما كان فيه من كآبه.

وينقل التوراة أنّ سكوت أصدقاء أيوب استمر إلى أن كلّمهم أيوب. فتذمر من المصائب التي حلّت عليه وتمنّى لو أنّه لم يأتِ إلى هذه الدنيا, أو لم يبقى على قيد الحياة لحدّ الآن, وطلب الموت من الله:

سأتكلم من عمق عذاب روحي, وأشكو في مرارة نفسي أبحر أنا أن تنين حتّى أقمت عليّ حارساً؟ إن قلت إن فراشي يعويني ومرقدي يزيل كربتي فأنت تروعني بالأحلام وترهبني بالرؤى, لذلك فضّلت الاختناق والموت على جسدي هذا. كرهت حياتي فلن أحيا إلى الأبد, فكف عنّي لأن أيامي نفحة من هو الإنسان حتّى تعتبره وتعيره كل اهتمام؟ تفتقده في كل صباح وتمتحنه في كل لحظة, حتى متى لا تُحوّل وجهك عنّي وتكفّ أبلع ريقي! إن أخطأت فماذا أفعل لك يا رقيب الناس! لماذا جعلتني حملاً على نفسي؟ لماذا لا تصفح عن إثمي وتزيل ذنبي؟ لأنّني الآن أرقد في التراب وعندما تبحث عني أكون قد فنيت.

بعد ذلك ينقل التوراة كلام أصدقاء أيوب الموحدين بالتفصيل. فكانوا يظنّون أن هذه المصائب ترجع إلى معاصي أيوب, ونصحوه أن يتوب. لكنّ أيوب أكدّ أنّه لم يرتكب أيّ معصية حتّى يتوب:

فأجابه أليفاز:

استسلم إلى الله وتصالح معه فيصيبك خير تقبل الشريعه من فمه, وأودع كلامه في قلبك إن رجعت إلى القدير, حقاً إنّ الله يذل المتكبرين وينقذ المتواضعين وينجي حتّآ المذنب بطهارة قلبك.

فأجاب بلدد الشوحي:

 إلى متى تظل تلغو بهذه الأقوال فتخرج من فمك كروح شديدة؟ أيحرف الله القضاء أم يعكس القدير ما هو حق؟! إن كان أبناؤك أخطأوا فقد أوقع بهم جزاء معاصيهم, فإن أسرعت وطلبت وجه الله وتضرّعت إلى القدير وإن كنت نقياً صالحاً فإنّه حتماً يلتفت إليك ويكافئك بمسكن بر…

وبعد طول أخذ وردّ بين أيوب وأصدقاؤه أكد أيوب وأصر على توحيده ونفى ارتكابه للمعصية والذنوب:

فقال بعدها أيوب:

قد أدركت أنّك تستطيع كل شيء ولا يتعذّر عليك أمر, تسألني: من ذا الذي يخفي المشورة من غير معرفة؟ حقا قد نطقت بأمور لم أفهمها, بعجائب تفوق إدراكي, أسمع الآن وأنا أتكلم, أسألك وأنت تعلمني, بسمع الأذن قد سمعت عنك والآن قد رأتك عيني, لذلك ألوم نفسي وأتوب معفّراً ذاني بالتراب والرماد.

وفي نهاية قصة أيوب في التوراة أكدّ الله طهارة وعدم ارتكاب أيوب للمعصية, وأمر أصدقاء أيوب الثلاثة “خذوا الآن لكم سبعة ثيران وسبعة كباش وامضوا إلى عبدي أيوب وقرّبوها ذبيحة محرقة عن أنفسكم فيصلّي من أجلكم, فأعفوا عنكم إكراماً له, لئلا أعاقبكم بمقتضى حماقتكم, لأنكم لم تنطقوا بالحق عنّي كعبدي أيوب”. ويذكر التوراة بعد ذلك” وعندما صلّى أيوب من أجل أصدقائه, ردّده الرب من عزلة منفاه, وضاعف كلّ ما كان له من قبل وأقبل عليه إخوته وأخواته وكل معارفه السابقين”…

يقول القرآن الكريم عن شكوى ومعاناة أيوب لله من المصائب والمشاكل التي حلّت عليه عندما  {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}[1].

ثم يذكر القرآن الكريم أمر الله لأيوب كي يتعافى جسده. فتجري المياه بقدرة الله ويجب على أيوب أن يغتسل به كي يتعافى من المرض {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}[2].

   إنّ أجر هذا الصبر والتحمّل والتديّن والإيمان الكبير لأيوب {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ}[3].

[1]  سورة ص: الآية 41.

[2]  سورة ص: الآية 42.

[3]  سورة ص: الآية 43.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment