من جملة المناطق التي يحصل فيها اختلاف كبيرفي الأوقات الشرعية مع البلدان الاسلامية بسبب موقعها الجغرافي،هي مناطق شمال أوروبا القريبة من القطب، الذي يختلف أفقها مع أفق المناطق المعتدلة، حيث يحصل ظاهرة ما يسمى بالليالي البيضاء

بسم الله الرحمن الرحيم

وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ
(طه 130)

إن اقامة الصلاة في وقتها من المستحبات المؤكدة والتعاليم المهمة في الدين الإسلامي، والتي أكدت عليها آيات وروايات عديدة، ومن هنا تبرز أهمية معرفة الأوقات الشرعية عند المسلمين في كل بقاء الأرض. وبسبب الموقع الجغرافي لكثير من البلدان الإسلامية الواقعة في المناطق المعتدلة من القرى الأرضية ووجود العديد من مراكز الأبحاث المختصة في تحديد الأوقات الشرعية، تتلاشی مشكلة معرفة الأوقات الشرعية من بزوغ الفجر وشروق الشمس وغروبها المرتبط بالصلاة والصيام من حيث الإمساك والأفطار.
ولكن زيادة تواجد المسلمين في مناطق شمال أوروبا التي تحصل فيها الظاهرة سابقة الذكر أعلاه، ازدادت الحاجة لتحديد الأوقات الشرعية بدقةٍ عاليةٍ والتي تكون عادة مهمة صعبة وشاقة بسبب الظروف الطبيعية وخاصة مع بداية فصل الصيف، ولإرتباطها الوثيق بالأحكام الشرعية من إقامة الصلاة والإمساك والإفطار في شهر رمضان، وخصوصا مع التقدم العلمي في مجال الفلك. يعتبر المركز الإسلامي في مدينة هامبورغ من المراكز الإسلامية الأساسية ومن أقدمها، كان من إحدى وظائفه هو تحديد الأوقات الشرعية على مدار السنة لتكون في خدمة المسلمين في أوروبا وخاصة في دولة ألمانيا الإتحادية، حيث عمل على جداول دقيقة لتحديد هذه الأوقات وكان يواكب دائما التطور العلمي في مجال علوم الفلك من خلال التعاون مع بعض المراكز الفلكية المعتبرة وخبراء في هذا المجال، مما أكسبه خبرات وتجارب عديدة. مع بروز مشاكل عديدة من جملتها:

أ – الاختلافات الفقهية بين المذاهب الاسلامية المختلفة وتعدد آراء الفقهاء.
ب – ا لإختلاف بين العلماء والخبراء الفلكيين بغض النظر عن اعتقادهم بالاسلام وعدمه.
ج – اختلاف أفق الموقع الجغرافي لكثير من البلدان في العالم وارتفاع كلفة الدراسات والتحقيقات الفلكية وغيرها من المشاكل.
ومن تلك المناطق البلدان الواقعة في شمال أوروبا القريبة من القطب الشمالي، الذي يؤدي موقعها إلى تفاوت واختلاف كبير في الأوقات الشرعية بين هذه المناطق والدول الإسلامية. واحدة من تلك الإختلافات أفق هذه المناطق مع أفق المناطق المعتدلة (حيث تقع معظم بلدان العالم الإسلامي) ظاهرة الليالي البيضاء. ولتوضيح هذا الامر نقول: هذه الظاهرة عبارة عن عدم اختفاء وذهاب نور الشمس بعد الغروب في بعض أيام السنة (مع بداية فصل الصيف) حيث تبقى السماء مضيئة طوال الليل ممّا يستوجب صعوبة كبيرة في تحديد وقت بزوغ الفجر المرتبط بوقت آذان الصبح.

في بعض أيام السنه وبعد غروب الشمس لا يذهب نورها بالكامل بل يبقى شئ منه ولهذا تبقى السماء مضيئه طوال فترة الليل وتؤدي الى صعوبة في تشخيص وقت اذان الصبح وبناء على فتوى أكثر فقهاء الشيعة، إن وقت اذان الصبح في هكذا حالات يكون مع اشتداد الضوء وزيادته في السماء الذي يعبر عنه فقهيا (بإشتداد الضوء) وبالتالي أن هذه الظاهرة اشتداد الضوء تختلف من منطقة إلى منطقة ومن مدينة إلى مدينة بحسب موقعها الجغرافي ممّا يؤدي إلى اختلاف في المواقيت الشرعية. ومن جهة أخرى أدى ذلك أيضا إلى اختلاف في تشخيص الأوقات الشرعية بين المراكز الإسلامية وحتى بين المراكز الشيعية في ألمانيا، وذلك عبر اصدار جداول للتحديد الأوقات الشرعية مختلفة فيما بينها اختلافا واضحاً وكبيراً.
وأمام هذا الواقع أخذ على عاتقه المركز الإسلامي في هامبورغ لحل هذه المشكلة عبر توجيه دعوة لمختلف المراكز الشيعية في ألمانيا لتقديم دراسات في هذا المجال ولتقديم المعونة والمشورة حيث عقد لذلك جلسات علمية وتخصصية للخروج بنتيجة موحدة. وبناءا عليه تم تشكيل لجنة من مختصين في علوم الفلك وبالتعاون مع بعض المرصاد الفلكية الألمانية وحضور اختصاصيين منها، و مشاركة علماء دين أصحاب اطلاع في علم الهيئة والفلك، هذا بالإضافة إلى استدعاء خبراء من جامعة طهران قسم الجيوفيزياء وحضور رئيس قسم الإستفتاءات في مكتب السيد القائد حفظه الله، قامت هذه اللجنة بسفرات متعددة لمناطق مختلفة في ألمانيا وعبر تحقيقات ميدانية وسيعة ورصد أفق ألمانيا وبلدان أوروبية أخرى أستمرت حوالي ثمانية أشهر حيث عقدت جلسات متعددة أسفرت عن نتائج مهمة على صعيد تحديد بزوغ الفجر وتم توثيق ذلك بإلتقات أفلام فيديو يمكن مشاهدتها عند المراجعة. وبعون الله تعالى فقد اثمرت هذه المساعي والتحقيقات القيمة إلى نتائج علمية مهمة غير مسبوقة ويمكن القول أن نتائج هذا العمل قطعا هو حجة شرعية (أي لا بد من العمل بمقتضاها) على المؤمنين والمؤمنات في ألمانيا وأوروبا، آملين من الله عز وجل التوفيق لهذا الجهد العلمي وسائر الأنشطة الثقافية في مركز الإسلامي في هامبورغ وأن يكون مورد رعاية واهتمام الإمام صاحب العصر والزمان (ع)