بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة:

ثمّة أبواب على الأرض لها ارتباط بالسماء، ولا شك أنّ مسجد الإمام علي عليه السلام وكذلك المركز الإسلامي في هامبورغ اللذان تأسسا في العام 1957م في مساحة 4000 متر، من هذه الأبواب السماوية.

هذا المسجد الذي يحتوي على قبة من النحاس واللون الأرغواني والسيراميك الأزرق اللون والذي تم تأسيسه في ساحل آلستر الجذاب، أضفى مزيدًا من الجمال والأهمية إلى شارع شونه آوس زيشت واشتهر بين مواطني مدينة هامبورغ بـ “المسجد الأرزق”. المسجد الأزرق المتواجد في أرض الصناعة والفلسفة، وإلى جانب الأديان والثقافات المتنوعة، يمثّل رمزًا للوحدة في عين الكثرة والكثرة في عين الوحدة، كما يُبرِز التفاهم والتعاون القائمين بين الثقافات الأصيلة والتقاء التراث بالحداثة من خلال التلفيق بين الفنين الشرقي والغربي.

من هنا ومنذ العام 2013 ميلادي، أصبح المجمّع الفاخر والقيّم للمركز الإسلامي في هامبورغ مدرجاً في قائمة الآثار الثقافية لتلك المدينة عن طريق إدارة حفظ التراث المحفوظ في ألمانيا. وقد ظلّ هذا المركز ولما يزيد عن نصف قرن محوراً لتعميق وتطوير الفكر الإسلامي الأصيل لدى المسلمين من ناحية، وكذلك ليتعرّف الأوروبيون على مدرسة القرآن وأهل البيت عليهم السلام من ناحية أخرى، كما أنّه ونظراً لكونه واحداً من أوائل المراكز الإسلامية المهمة في أوروبا الوسطى، فهو يُعدّ من هذه الحيثية  جزءاً من تاريخ تواجد الإسلام في هذه القارة. من هنا، فإنّ قسماً من التفاصيل المتعلقة بانتشار الإسلام في هذه القارة أيضاً والأحداث المرتبطة به يمكن العثور عليه في ثنايا تاريخ المسجد.

بعض الأحداث المرتبطة بالمسجد والمركز الإسلامي في هامبورغ

السنة الشمسية        السنة الميلاديةالأحداث المتعلقة بالمركز الإسلامي في هامبورغ
1304                        1925تشكيل هيئة الشعائر الإسلامية
1330                       1951تواجد أول ممثل للمرجعية في هامبورغ
1332                        1953تبادل الرسائل بين الجمعية في هامبورغ وآية الله العظمى البروجردي
1334                       1955وصول الأستاذ محققي إلى هامبورغ
1336                      1957شراء أرض المسجد
1338                        1960احتفال رمزي بوضع حجر الأساس
1339                        1961البدء في بناء المسجد
1344                       1965وصول آية الله الدكتور بهشتي وبداية نشاط المركز الإسلامي
1349                       1970انتهاء المراحل الأساسية لبناء المسجد
1357                       1978تأسيس البروفسور فلاطوري لأكاديمية كلن الإسلامية 
1375                       1996وضع حجر الأساس للمبنى الجديد للإدارة والمكتبة
1377                       1999الانتهاء من بناء المبنى الجديد
1378                       2000تأسيس الأكاديمية الإسلامية الألمانية
1391                        2012الاحتفال بمرور خمسين عاماً على تأسيس المركز الإسلامي في هامبورغ
1391                        2012المرحلة الجديدة لأنشطة الأكاديمية الإسلامية في هامبورغ
1392                        2013تأسيس الحوزة العلمية لتربية متخصصين  في العلوم الدينية من المقيمين في ألمانيا

 نبذة تاريخية عن المركز الإسلامي في هامبورغ

شهادة تقدير

ظلت السفن التجارية الألمانية منذ العام 1906م تتردد بشكل منتظم بين ميناء هامبورغ في ألمانيا والموانئ الإيرانية، وازدهرت التجارة آنذاك بين البلدين. في عام 1912م، تأسست الشركة المساهمة للسجاد الإيراني في برلين، ومع تصدير السجاد الإيراني إلى أوروبا وأمريكا عبر ألمانيا، تحولت الأخيرة إلى أكبر مستورد للسجاد الإيراني في العالم. على هذا النحو، انفتح المجال أمام التجار المسلمين الإيرانيين لتجارة السجاد في ألمانيا.

ثَمّة رسالة أرسلها السفير الإيراني في برلين آنذاك إلى وزارة الخارجية الإيرانية، هذه الرسالة تبرز كيف أنّه في السنوات السابقة، وصل أعضاء الجالية الإيرانية المسلمة في برلين إلى عدد كبير، وأنّهم بصدد تشكيل هيئة لإدارة شؤون المسلمين هناك، والتي سرعان ما حملت اسم “هيئة الشعائر الإسلامية“. هكذا يعود تاريخ الإيرانيين المسلمين في هامبورغ إلى تواجد التجار (وخصوصاً تجار السجاد الإيرانيين) في تلك المدينة قبل الحرب العالمية الأولى. وأمّا موضوع مؤسسي هذا المسجد، فقد ارتبط ذلك بحدثين كبيرين؛ أحدهما في الشرق والآخر في الغرب. 

 حدثان مصيريان

اندلعت نيران الحرب العالمية الثانية في الغرب ابتداءً من شهر سبتمبر-أيلول عام 1939م على يد هتلر، وانتهت بالاحتفال بانتصار الحلفاء في شهر مايو-أيار عام 1945م. هذا في الوقت الذي كان المسلمون يعانون من الرقابة الشديد أثناء فترة الحكم النازي، وكان يُنظَر إليهم كمعارضين للحزب النازي.

بالتزامن مع الأحداث التي وقعت بعد الحرب العالمية الثانية في الغرب، وقع في الشرق أيضاً حدث بالغ الأهمية والتأثير. تأسست الحوزة العلمية في مدينة قم على يد آية الله العظمى الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي، وبعد ارتحاله تولى المراجع المعروفون في قم إدارة الحوزة لمدة ثماني سنوات. استطاع هؤلاء، بعد وفاة آية الله العظمى الحائري اليزدي، الحفاظ على الحوزة الحديثة التأسيس مما كان يواجهها من تحديات  كالاستبداد في عهد الشاه رضا بهلوي والسياسات المنافية للدين والفوضى والإهانات المختلفة، ومع دعوة آية الله العظمى البروجردي للقدوم إلى مدينة قم، سلّموا له زمام الأمور بكل تواضع.

وصل آية الله العظمى البروجردي إلى قم عام 1944م، حيث أوجد انضباطاً وأحدث تغييرات جذرية في نظام الحوزة العلمية. على إثر هذه الإجراءات، ازدهرت الحوزة العلمية في قم وسارت بخطوات ثابتة نحو التطور. أحد الاجراءات الفريدة في تلك الفترة، الاهتمام بسفر ممثلي المرجعية خارج إيران. كان آية الله العظمى البروجردي يمتلك رؤية لافتة ويتمتع بنظرة عالمية وأفق واسع للمستقبل، الأمر الذي دفعه للتفكير في إرسال ممثلين من طرفه في حدود العام 1950-1951م.

 أول سفير للروحانية

في السنوات التي أعقبت الحرب، ازداد عدد الإيرانيين في ألمانيا، وكان أغلبهم من التجار والأطباء وطلاب الجامعات. كانوا يلتقون في مدينة هامبورغ ويجتمعون في جلسات دينية، نظراً لشعورهم بالحاجة إلى مثل هذه البرامج الدينية. على هذا الأساس، ومع تهيؤ الأجواء، وبناءً على الأخبار التي كانت تصله من التجار المتدينين في هامبورغ، أرسل آية الله العظمى البروجردي آية الله ميرزا أبو القاسم محمدي الكلبيكاني، الذي كانت تربطه به معرفة مسبقة، في العام 1951م كممثل له إلى هامبورغ. كان ذلك بمثابة الخطوة الأولى لتتحول هامبورغ رويداً رويداً إلى مقر روحاني للمسلمين، وليتأسس هناك لاحقاً مسجد ذو اسم معروف وشهرة واسعة.

اقتضت المشيئة الإلهية أن يتعاون أفراد مختلفون لبناء هذا المسجد مع كل ما واجهوه من مشقة، ليصبح مقراً لذكر الله ولإحياء القلوب. من هنا، كانت مسيرة العمل تساعد دائماً على تحقق هذه الغاية. اجتمع كل الأشخاص الذين كانت لهم أدوار في البناء، حيث أتى كل واحد منهم من طريق وباشر كل واحد منهم أداء مسؤوليته وواجبه. من هؤلاء الدكتور علي عماري الذي، وبمجرد وصوله إلى هامبورغ، ومنذ اليوم الأول، تحرّى عن مسلمي المدينة وتواجد في مجالسهم، وقدّم جهوده لبناء المسجد.

 الاختيار المناسب

كان السؤال الأساسي في قم حول مَنْ مِن علماء الدين يصلح لأن يكون أفضل ممثل للمرجعية في بلد تبعد آلاف الكيلومترات عن إيران؟  بعد تشاور وتبادل للآراء في بيت المرجعية، أعلن آية الله العظمى البروجردي موافقته على إرسال عالم دين بارز وعلى إحاطة تامة بالمسائل الفقهية والموضوعات القانونية والاجتماعية. وسرعان ما أوفى بوعده، وأرسل العالم القدير حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد تقي محققي اللاهيجي ليكون ممثلاً له في إدارة المسجد وإرشاد المسلمين في الأمور الدينية والتعريف بالإسلام في هامبورغ.

ظلت الجمعية لفترة تبحث عن أرض مناسبة لبناء المسجد في هامبورغ، وبُذِلت مجهودات ومساعٍ كثيرة في هذا الصدد؛ لكنّ أياً من المقترحات المقدَّمة لم تلق ترحيباً. في نهاية المطاف، اتجهت الأنظار إلى قطعة أرض مساحتها أربعة آلاف متر مربع، تقع في شارع “شونه آوس زيشت” بالقرب من بحيرة آلستر الجذّابة. تم إطلاع آية الله العظمى البروجردي بالأمر، وقام هو بتأمين المبلغ الخاص بشراء الأرض (250000 مارك، ما يعادل نصف مليون تومان في ذلك الوقت) عن طريق الحاج قاسم همدانيان (تاجر الحديد وأحد رجال الأعمال الإيرانيين المعروفين). وفي نهاية المطاف، وبعد مضي عامين على إقامة الشيخ محققي في هامبورغ، تم شراء أرض المسجد الحالية في الأول من أكتوبر-تشرين الأول عام 1957م، وتسجيلها لإقامة مسجد عليها إلى جوار بحيرة آلستر، لتنعم أعين الناظرين بأنوار مناراته الشامخة كمصباح بديع ينير البحيرة.

للمسجد في التراث الإسلامي، علاوة على وظيفته العينية، خصوصيات باطنية وظاهرية، وتشتمل هندسته المعمارية على علامات ومظاهر كالقبة، والمنارة وغيرها والتي تميّزه عن باقي التشكيلات المعمارية. في نفس الوقت، فإنّ المسجد الذي يتم بناؤه في منطقة سياحية، ينبغي أن يكون حائزاً على مواصفات فريدة من نوعها. هذه المسائل الحساسة استلزمت بداية مرحلة أخرى من الجهد لتجهيز المشروع وخطة البناء. كان لا بد من التحاور مع شركات البناء الألمانية حول هذه النقطة. أُرسلت المشروعات المقترحة لآية الله العظمى البروجردي في قم لاختيار الأنسب، والذي قام بدوره بإرسالها إلى مستشاره في أمور البناء والعمران، المهندس المعماري حسين لُرزاده، الذي كان يمتلك خبرات واسعة في مجال بناء المساجد والمباني ذات الطابع الإسلامي، حيث أشرف على تصميم وتنفيذ وتعمير وبناء ما يزيد عن 840 مسجداً وبناءً ذا طابع إسلامي وروحاني.

كان من المفترض أن يتزامن وضع حجر الأساس الأول لبناء المسجد مع ذكرى مولد منقذ البشرية الإمام المهدي المنتظر في يوم الخامس عشر من شهر شعبان في العام 1960ميلادي. كان الجو آنذاك شديد البرودة وكانت الأرض مغطاة بالثلج. تم تجهيز حجر الزواية الأول ليكون بمثابة النصب التذكاري لبناء المسجد، ونُقِشت عليه آية من القرآن الكريم مع ترجمتها بالألمانية، لتذّكر الآية ببناء الكعبة على يد إبراهيم الخليل وإسماعيل الذبيح: “وإذ يرفع إبراهيمُ القواعد من البيت وإسماعيل، ربّنا تقبل منّا إنّك أنت السميع العليم“.  

رسل الصداقة والروحانية

من الأمور اللافتة للانتباه أثناء بناء المسجد والمركز الإسلامي في هامبورغ، طبيعة الأشخاص الذين تولوا هذه العملية والقائمين عليها، الأمر الذي كان بمثابة رسالة خاصة للمهتمين بالبحث في تاريخ بناء المسجد. توزّع هؤلاء على ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى:المرجعية العليا للشيعة وممثليها ومبعوثيها، ومن جملتهم علماء الدين البارزين الذي عُرفوا بالجمع بين تعاليم القرآن وأهل البيت عليهم السلام من ناحية، والفلسفة والمنهج العقلي البرهاني من ناحية أخرى. المجموعة الثانية: التجار ورجال الأعمال، الذين يعملون في تجارة السجاد والتوابل والحديد والمنتجات الأخرى (كالحاج ميرزا على نقي الكاشاني تاجر الحديد، والحاج حسن ولادي تاجر السجاد، والحاج محمد حسن عطار باشي تاجر الزعفران، ومنوتشهر إقبال، وغيرهم). المجموعة الثالثة: الطلاب الجامعيون، والأطباء، والأشخاص الذين جاءوا إلى هامبورغ للدراسة.

على هذا الأساس يمكن استنتاج أنّ التواجد المؤثر لهذه المجموعات الثلاث كان العامل الأساسي في رسم سياسة للمسجد كان أبرز معالمها الاعتدال وابتغاء الأمن والسلام وشجب العنف والتطرف، وهذه الحقيقة واضحة للجميع وهي أنّ مؤسسي المسجد والمركز، ومنذ اليوم الأول، كانوا يحملون رسائل الصداقة، والجوانب المعنوية، والعقلانية، والأمن والسلام، انطلاقاً من التعاليم الإسلامية.

تركت عودة الشيخ محققي إلى إيران بعد عام وأربعة أشهر فراغاً شعر به المسلمون في هامبورغ. وأثناء تلك المدة، كان المسجد يُدار من قِبل هيئة أمناء الجمعية الإسلامية،  واقتصر العمل على حدّه الأدنى. وفي ظلّ غياب عالم دين لمدة عام وأربعة أشهر، افتقدت الجمعية الإسلامية للإيرانيين تلك الأنشطة التي كانت تُقام أثناء تواجد الشيخ محققي، وانحصر نشاطها حينذاك في مكتب كان يقوم بإجراء أمور الزواج يديره أخوه وسكرتير الجمعية، ولم تكن هناك أنشطة أخرى، بل توقفت حتى جلسات ليالي الجمعة. بقيت رسائل عديدة بلا أجوبة؛ وكأن الجمعية الإسلامية للإيرانيين في هامبورغ أضحت مهجورة. في هذه الأثناء، وبناءً على طلب آية الله العظمى السيد محمد هادي الميلاني وإصرار آية الله السيد مرتضى الحائري اليزدي وآية الله الشيخ محمد تقي فلسفي وبعض الفضلاء الآخرين، قبل آية الله الدكتور بهشتي المسؤولية الثقيلة لإدارة مسجد هامبورغ، وتقرر تهيئة مقدمات سفره على وجه السرعة.

 أنفاس المسيح

في نهاية المطاف وفي شهر أبريل-نيسان عام 1965، توجه آيت الله الدكتور بهشتي إلى هامبورغ، في مهمة لاستكمال بناء المسجد وترتيب أمور المسلمين في ألمانيا. منذ اليوم الأول، كان مقامه العلمي والمعنوي وإدارته التنظيمية مبشرة بحدوث نقلة إلى الأمام على الصعيدين الخارجي (البناء) والداخلي (الشعائر والأمور المعنوية) لمسجد هامبورغ. مسلمو هامبورغ الذين ذاقوا حلاوة تواجد عالم دين فيما بينهم، أثناء مدة وجود الشيخ محققي، ومرارة الحرمان من إمامة رجل دين، كانوا لا يزالون يحملون ذكرى تواجد عالم دين، نفذ صبرهم للقاء ممثل جديد للمرجعية. حفلت مراسم استقبال الدكتور بهشتي بالشوق والحميمية، بحضور عدد كبير من المسلمين.

كان العمل الأهم في تلك المدة، هو تنظيم عملية بناء المسجد. تشكلت “هيئة أمناء المسجد” بإشراف آية الله الدكتور بهشتي، وشملت سبعة أعضاء: آية الله الدكتور السيد محمد الحسيني بهشتي، والدكتور علي عماري، ومنوتشهر إقبال، وكريم نعمت زاده، ومحمد خسروشاهي، وحسن ولادي والدكتور إيرج مشيري.

كان التمهيد لبناء المسجد بمثابة الخطوة الأولى فحسب. لكن آية الله الدكتور بهشتي لم يكن الشخص الذي يكتفي بهذا الإجراء، حيث كان يخطط لأمور أبعد من ذلك. كانت إحدى أمنياته القيام بتسجيل المركز الإسلامي في هامبورغ بجوار المسجد لتطوير أنشطة المسجد، لا سيّما بناء علاقات مع جنسيات أخرى، لتتوسع الأنشطة الدينية لتشمل، فضلاً عن الإيرانيين، جميع المسلمين من مختلف الجنسيات وتمتد أيضاً لتضم المجتمع الألماني وباقي أوروبا. مع الاستراتيجية الصائبة التي عرضها آية الله الدكتور بهشتي، تم تسجيل المركز الإسلامي في هامبورغ في شهر يونيو-حزيران عام 1966، وبدأت أنشطته على مستوى ألمانيا وسائر البلدان الأوروبية.

أدت الاجراءات التي اتخذها بهشتي إلى جعل المسجد والمركز الإسلامي في هامبورغ محط أنظار المسلمين من مختلف المذاهب، ليتحول المسجد إلى مسجد ذي طابع عالمي؛ بحيث كان المسلمون من سائر المذاهب والجنسيات يشاركون في صلاة الجماعة والجمعة، في جو من الإخلاص والمودة والصدق. واستمر هذا الأمر فيما بعد، لتصبح صلاة الجمعة في مسجد هامبورغ رمزاً للوحدة الإسلامية.

 لمحة عن الأنشطة

أثمرت الاسترايجية الصائبة للشهيد آية الله الدكتور بهشتي عن نتائج مهمة؛ فلم يمض على وصوله إلى هامبورغ سوى بضعة أشهر، حتى تم تسجيل المركز الإسلامي في هامبورغ في الثامن من فبراير-شباط عام 1966 وبدأت أنشطته على مستوى ألمانيا وسائر الدول الأوروبية الأخرى.

كان على المركز الإسلامي، في واقع الأمر، العمل على مستويين: المستوى الأول عبر  التواصل مع المسلمين من مختلف الجنسيات، ومن جملتهم المسلمين الإيرانيين، و الأتراك والعرب (من السنة والشيعة)، والمستوى الثاني من خلال التواصل مع الشعب الألماني وسائر الشعوب الأوروبية، لا سيّما مع الشخصيات العلمية والدينية والأكاديمية في الغرب.

وقد أعانته التوفيقات الإلهية على تحقيق نجاح ملفت في كلا المستويين. وعلاوة على النظام والانضباط، من العوامل التي ساهمت في النجاح وتطور الأنشطة في تلك الفترة، العمل على تقييم احتياجات المخاطبين والاهتمام بأذواقهم ومطالبهم. بذل آية الله الدكتور بهشتي الكثير من الجهد للتعرف على طبيعة المخاطبين وكان يؤكد على  المنهجية في الأداء، الأمر الذي جعله موضع ترحيب عام.

تقاليد للوحدة

كان آية الله الدكتور بهشتي من أشد المعتقدين بالوحدة العملية مع الأشقاء من أهل السنة وسائر الجنسيات، واتخذ اجراءات عملية مختلفة في سبيل تحقق هذه الوحدة بين الشيعة والسنة. في هذا الصدد، واحدة من السنن الحسنة التي سنّها في المسجد والمركز الإسلامي، عدم استعمال التربة في الصلاة. أعطى آية الله الدكتور بهشتي توجيهات، ولأجل تجنب إثارة الحساسيات، بعدم استعمال التربة في السجود، واستعمال الحصير بدلاً من ذلك. ولهذا الغرض تم تجهيز حصير ممتد من الأنسجة النباتية الناعمة بعرض 30سنتيمتر، ووضعت أمام صفوف المصلين في صلاة الجماعة. قامت جماعة من مسلمي أندونيسيا بنسج هذا الحصير وأهدوه إلى المسجد.

من الأمور الأخرى التي سنّها آية الله الدكتور بهشتي في صلاة الجمعة، عدم ذكر الشهادة بولاية الإمام علي عليه السلام في الأذان والإقامة، وهي من الأمور المتعارف عليها عند الشيعة. أصدر آية الله الدكتور بهشتي تعليمات بترك هذا العمل المستحب في الصلاة التي يشارك فيها أهل السنة، بغية الحفظ على  الوحدة والوئام بين المسلمين. فضلاً عن ذلك، وعلى الرغم من أنّ القنوت في الصلاة من السنن الواردة عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وهو من الأعمال العبادية ذات الاستحباب المؤكَّد، لكنّه كان يسقط في صلاة الجمعة التي كان يشارك فيها الإخوة من أهل السنة.

وكما سبق ذكره، أدت الاجراءات التي اتخذها بهشتي إلى جعل المسجد والمركز الإسلامي في هامبورغ محط أنظار المسلمين من مختلف المذاهب، ليتحول المسجد إلى مسجد ذي طابع عالمي؛ بحيث كان المسلمون من سائر المذاهب والجنسيات يشاركون في صلاة الجماعة والجمعة، في جو من الإخلاص والمودة والصدق. واستمر هذا الأمر فيما بعد، لتصبح صلاة الجمعة في مسجد هامبورغ رمزاً للوحدة الإسلامية.

استمرت هذه السُّنّة فيما بعد، وأضحت صلاة الجمعة في مسجد هامبورغ رمزاً للوحدة الإسلامية؛ على النحو الذي كان الإخوة من أهل السنة، وعن طيب خاطر، يشاركون في الصلاة والقراءة، ويأتمون بإمام الجماعة الشيعي وهم متكتفون (واضعين أيديهم على صدورهم). كان هذا الأمر ثقيلاً بطبيعة الحال على بعض الشيعة بل وحتى على بعض رجال الدين، وكان يفتقر إلى تبرير؛ ومع ذلك لم يقتنع البعض منهم على الإطلاق. لكن هذه السُّنة الحسنة كانت سبباً في تقوية العلاقة مع بعض الإخوة من أهل السنة الذين كان معظهم من أبناء المغرب وتونس وأندونيسيا، وكانوا يدعون أبناء وطنهم أيضاً للحضور إلى المسجد.

  أنصار منطق الحوار والوفاق

كان آية الله الدكتور بهشتي عالم دين ذا شأن كبير جمع بين البعد الأكاديمي الجامعي والبعد الحوزوي الديني، فكانت شخصيته متعددة الجوانب، واستطاع أن يخطو خطوات إلى الأمام- وفي نفس الوقت- على مختلف الأصعدة المعنوية، والعلمية، والعاطفية، والعمرانية والثقافية، والاجتماعية، والإدارية، وغير ذلك. على الرغم من أنّ عودته إلى الوطن كانت مثمرة وعامرة بالبركة لرفاقه في إيران، لكنها كانت خسارة لمسجد هامبورغ.

بعد سفر آية الله الدكتور بهشتي إلى إيران (مايو-أيار عام 1970)، تولّى ثلاثة أشخاص من معاونيه مهمة إدارة مسجد هامبورغ، الواحد تلو الآخر: حجة الإسلام و المسلمین محمد شبستري لمدة ثمانية أعوام، حجة الإسلام والمسلمين خاتمي لمدة عام ونصف، ثم حجة الإسلام والمسلمين محمد مقدّم لمدة اثني عشر عاماً.

جمعت هؤلاء الثلاثة خاصية مشتركة كان لها نتائج مهمة على مستوى الأعمال، فقد كانوا جميعاً من أنصار منطق الحوار والعمل على تحقيق الوفاق والإجماع.

يمكن القول بأنّ فترة الإدارة الأولى، وبحسب الأجواء في تلك الحقبة، شهدت أوضاعاً وتحولات على الصعيد الدولي نتجت عن زمن الحرب الباردة، وكان هناك توجه للحوار بين الأديان، وهو ما دفع بالحجة الإسلام والمسلمين شبستري إلى توثيق عُرى التواصل مع الأديان الأخرى. فيما شهدت الفترتان الثانية والثالثة حواراً وتواصلاً مع المذاهب والعلماء المسلمين، نظراً للأحداث التي وقعت في تلك الحقبة والتي كانت ذات ارتباط مباشر بالعالم الإسلامي، وعلى رأسها الموجة الأولى للصحوة الإسلامية مع نجاح الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني رحمة الله عليه، وتحوّل المركز الإسلامي في هامبورغ إلى مقر للقاء ولتبادل الآراء بين أبناء العالم الإسلامي. لا شك أنّ المباني الفكرية والعملية الخاصة لأئمة المركز في الحوار مع الأديان الأخرى وأيضاً في الحوار مع المذاهب الإسلامية الأخرى، كان لها تأثير واضح في هذا التواصل وفي التقارب مع الجميع.

زمن غربة المسجد ووحدته

في تلك الفترة ازدادت الصعوبات والضغوطات على مرتادي المساجد من ناحية الاتجاهات المناوئة للدين والمرتبطة بحكومة الشاه، وبقيت المساجد تعاني الغربة. وبالطبع، وبعد رحيل آية الله الدكتور بهشتي، لم يكن مستغرباً ألا يتمكن معاونه- أي حجة الإسلام و المسلمین شبستري- من الأداء بنفس الطريقة التي كان عليها الدكتور بهشتي في كافة الأبعاد، ونتيجة لذلك انخفض مستوى أنشطة المركز الإسلامي. على صعيد آخر، كان آية الله الدكتور بهشتي قد غادر هامبورغ بالكلّية. وبالطبع حين غادرها، كان يحتمل ألا يعود إليها مرة أخرى كإمام للمركز الإسلامي في هامبورغ، لكن حجة الإسلام و المسلمین شبستري تولى المسؤولية بصورة نهائية بعد أربعة أشهر من مغاردة الدكتور بهشتي (أكتوبر-تشرين الأول عام 1970).

شهدت جهود الحوار في تلك الفترة نقلة إلى الأمام. بذل حجة الإسلام و المسلمین شبستري جهداً للتعريف بالإسلام في مقابل الأفكار الأخرى في العالم الغربي، وذلك من خلال عرض الطابع العقلاني والتفسير العلمي المقبول. من الأمور التي قام بها، التواصل مع حسينية إرشاد في إيران للحصول على كتب الدكتور علي شريعتي. كما استمرت عملية إعمار المسجد في تلك المدة بدعم من آية الله الدكتور بهشتي.

ظل آية الله الدكتور بهشتي يشرف على أنشطة المسجد عن بُعد، وكان ذلك دافعاً لاستمرار الحوار مع الأديان من بعده؛ بل اتسم الأمر بمزيد من الحماس والتركيز. تشير بعض الوثائق إلى إجراءات مشتركة من جانب المركز الإسلامي بالتعاون من المسيحيين لأجل حل مشكلات الأجانب. من التدابير التي تم اتخاذها في تلك الفترة، تعيين السيدة “حليمة” للعمل في المركز، وهي إحدى النساء الألمانيات المسلمات. كان هذا النهج في التعامل دافعاً إلى انضمام النخب الغربية إلى طبقة المخاطبين الأساسيين للمركز الإسلامي، وإلى ازدياد وتيرة التردد على المركز من جانب ممثلي الأديان الأخرى. كان حجة الإسلام و المسلمین شبستري يجتهد لإجادة اللغة الألمانية تدريجياً، وساعده ذلك في إقامة المزيد من التواصل يوماً بعد يوم.

من ناحية أخرى، وأثناء تواصل حجة الإسلام و المسلمین شبستري مع الأديان الأخرى، كان يُظهر رغبة وجهداً من ناحيته لفهم جديد حول الإسلام. أدّت هذه النظرة الجديدة أحياناً إلى إثارة بعض التساؤلات بل والإبهامات في أذهان الشباب والمهتمين بالإسلام، الأمر الذي لم يرُق لمرتادي المسجد، فتفرقوا من حوله.

وهكذا، أدّى شعور الناس بالفراغ الإداري والحيوي إلى تدهور الأجواء داخل المسجد بشكل ملحوظ، ولم يعد المسجد محلّ ترحيب الناس كما في السابق، وعانى المسجد مجدداً من الغربة والعزلة.

عمره قصير كالفراشة

عاد حجة الإسلام و المسلمین شبستري إلى إيران بعد أن قضى حوالي سبع سنوات في هامبورغ، وبعد ما يقارب العام من عودته (1978م)، توجّه حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد خاتمي إلى هامبورغ باقتراح من آية الله الدكتور بهشتي وبتأييد من المراجع، في ظرف بالغ الحساسية حيث لم يكن قد مضى على انتصار الثورة الإسلامية آنذاك سوى ستة أشهر.

في حفل التعريف، أوكل آية الله الدكتور بهشتي مسؤولية المركز الإسلامي- الذي كان بمثابة جسد كادت روحه أن تفارقه- إلى حجة الإسلام خاتمي، ليتولّى مهمة الإشراف على المسجد وانتشاله من ألم الغربة والعزلة. لكن المستقبل كان يحمل ترتيبات أخرى ويخبئ مصيراً آخر للإمام الجديد للمركز الإسلامي؛ فالثورة الإسلامية كان قد انتصرت للتوّ وتم انتخابه كممثل عن مدينة أَردكان في مجلس الشورى الإسلامي، فاضطر إلى العودة في مايو-آذار عام 1980. استمرت هذه المدة من إدارة المسجد نحو عام ونصف، وشهدت الكثير من الأسفار الاضطرارية والذهاب والإياب. في واقع الأمر، لم تسمح الأحداث العاصفة في تلك المدة بتواجده بشكل متواصل ومنتظم في هامبورغ. وهكذا لم تسنح الفرصة المناسبة لاستمرار بناء وتعمير المسجد؛ كما لم تتح الفرصة كذلك للتخطيط لبدء مرحلة جديدة وفعّالة لتقديم أنشطة معنوية ودينية. مع كل ذلك، كان المركز الإسلامي في هامبورغ محلاً لتوضيح ما يتعلق بالثورة الإسلامية من جهة العرض الصحيح للأحداث والأخبار، وأمّا التواصل بين المسجد وطلاب الجامعات المسلمين، والذي أرسى قواعده آية الله الدكتور بهشتي، فقد استمر بنفس الوتيرة من الحماس والطاقة.

 الربيع الجديد للمسجد!

ظل المسجد والمركز الإسلامي من دون عالم دين لعدة أشهر. كان آية الله الدكتور بهشتي يفكر هذه المرة في إسناد إمامة مسجد هامبورغ إلى حجة الإسلام والمسلمين محمد مقدّم، والذي سافر في العام 1980م إلى هامبورغ، وبحوزته اطلاع كامل وشامل حول الموضوعات المختلفة التي تخص المسجد والمركز الإسلامي، ليتولّى دفة قيادة سفينة المسجد. ورغم صغر سنه، حيث كان عمره آنذاك 28 عاماً، وكان أصغر من تولى إمامة المسجد، فقد استطاع – مع عزم وتصميم وإرادة قوية- أن يخرج المسجد من ركوده الذي طال نسبياً، وأن يجلب النشاط والحيوية والحماس من جديد إلى المركز الإسلامي في هامبورغ. ولحسن الحظ فقد أثمرت هذه الجهود، وانطلقت أنشطة المسجد بشكل جدّي من جديد. في تلك المدة ونظراً لوقوع الثورة الإسلامية وما أعقب ذلك من أحداث، استطاع المركز الإسلامي اجتذاب مخاطبين من كافة أنحاء العالم الإسلامي. وكان الحوار الإيجابي والبنّاء مع مفكري البلدان الإسلامية في أقصى نقاط العالم، من أبرز مميزات تلك المرحلة؛ وبُذِلت جهود حثيثة ومتواصلة لتعريف أصحاب الفكر بحقيقة الإسلام والوجه الوحدوي لشيعة أهل البيت عليهم السلام.

الخدمات الباقية

كان حجة الإسلام و المسلمین مقدّم خطيباً بارعاً. علاوة على لغته الفارسية، كان يتحدث أيضاً بالعربية الفصحى. تميّز العمل في تلك المرحلة بالجدية والصلابة مع الطابع الإنساني والجماهيري إلى جانب العمل الدؤوب والإخلاص، الأمر الذي جعل عقد الثمانينيات عقداً مزدهراً للمسجد؛ فشهدت هذه الفترة إقامة صلاة الجماعة بمنتهى العزم والجدية، وتنظيم التجمعات المهيبة، وتردد المفكرين المسلمين على المركز، والتواصل الحميمي من قبل عامة الناس، وغير ذلك. وفق ما أفاده العديد من الشهود، لم يأنف إمام المركز عن القيام بأي عمل بدني، كبيراً كان أو صغيراً، لأجل المسجد. كان أول من يحضر إلى المسجد وآخر من يغادره. وكان علاقته حسنة مع طلاب الجامعات، وكان يولي أهمية لحل المشكلات الاجتماعية للمسلمين في أوروبا.

إقامة مبنى الأكاديمية

إن قصة إنشاء مبنى الأكاديمية وتوسعة أنشطة المركز الإسلامي، تشبه إحدى مراحل الإمداد والإغاثة. في كل مرحلة، يتم إنجاز بعض الأعمال، وتنتقل باقي الأعمال إلى المرحلة اللاحقة، وهكذا تم إنجاز باقي الأعمال في المراحل المرسومة لها، وها نحن اليوم نشهد البركات المعنوية والعلمية لهذا المجمع، بالإضافة إلى تجليات العظمة والجمال والقيمة للمركز الإسلامي في هامبورغ.

بدأت الأحداث من هناك، حيث وفي العام 1990م برز شعور عام بالحاجة إلى مبنى يكون مستقلاً عن المسجد، الذي يُعدّ محلاً للعبادة في جو هادئ نظراً لازدياد تردد الناس، وليكون قاعدة لإتمام بعض الأمور المهمة: كتوسيع المكتبة، وإنشاء وحدة لتحرير المجلة، والفصول الدراسية وكذلك لتنسيق الأنشطة الثقافية، نظير الاستشارات، وإجراء عقود الزواج والطلاق وغير ذلك. بذل حجة الإسلام والمسلمين مقدّم، إمام المسجد والمركز في ذلك الوقت، جهداً قُبيل انتهاء مدة عمله لإيجاد حل لتلك المشكلة، وجدير بالذكر أنّه أيضاً قد ذكر في سجلّ أعماله أهمية تجهيز سكن دائم لأئمة المسجد. أعدّ حجة الإسلام و المسلمین مقدّم خطة لإنشاء تلك الوحدة الإضافية (التي تشتمل على قسمين أساسيين: أحدهما للمكتبة، والآخر هو القسم الإداري) فوق قطعة الأرض المتبقية في الجانب الأخير من المسجد. بقيت هذه الأرض محفوظة لعدة سنوات لأجل هذه الغاية، وبقيت كذلك المبالغ التي كانت توضع في حساب المسجد لهذه الغاية، إلى أن بدأ العمل في هذا المشروع أثناء فترة تولي الإمام اللاحق للمركز الإسلامي، حجة الإسلام والمسلمين الشيخ أنصاري، وتم إنهاؤه بنجاح.

منذ بداية قدوم حجة الإسلام والمسلمين أنصاري، في العام 1992م، وُضع هذا الأمر ضمن أولويات العمل، وبفضل اهتمامه وجهوده تحقق حلم إنشاء المبنى الجديد في نهاية المطاف. بذل الرجل مساعيه لاستكمال الجهود التي بُذلت من قبل وتطوير ما تم إنشاؤه وتنفيذه. كان الرجل على اطلاع بأسلوب آية الله الدكتور بهشتي وبشخصيته، وكان على جهوزية للقيام بهذا العمل منذ سنوات مضت.

كان تخصصه في التأليف واهتمامه بهذا العمل باعثاً على أن ينال القيام بتلخيص وترجمة الكتب في المركز الإسلامي عناية خاصة. كانت المشاركة في المؤتمرات العلمية في الجامعات، والمراكز وحتى في دول أخرى، من أولويات العمل. لكن أبرز ما تم تنفيذه على صعيد البناء والتجهيزات الخارجية، كان إنشاء مبنى من طابقين لحل مشكلة شُح المكان، واشتمل هذا المبنى على عدة فصول درسية، ومكتبة كبيرة، والقسم الإداري، بالإضافة على موقف للسيارات تحت الأرض. وعُرِف هذا المبنى لاحقاً بـ “مبنى الأكاديمية”.

الانضباط الإداري

الانضباط الإداري ثمرة أخرى من ثمار مدة رئاسة حجة الإسلام والمسلمين أنصاري. إلى ذلك اليوم، عانت الجهة الإدارية للمركز من جوانب نقص مهمة وجدية، لكن حجة الإسلام والمسلمين أنصاري، وعلى خطى آية الله الدكتور بهشتي، سعى جاهداً لجذب عدد آخر من رجال الدين للتعاون مع المركز. مع تواجد الكوادر الجديدة، أصبحت برامج المسجد تُقام في جميع الأوقات، بعد أن كانت تُقام في بعض الأوقات. وهكذا، بدأ عهد جديد من الأنشطة المعنوية والعلمية بشكل منظم ومنسجم؛ وشهدت الجلسات العلمية للشباب المزيد من الاهتمام والتطور وكذلك اتسمت إجراءات عقد الزواج بالنظم والترتيب.

اسم المسجد وشعاره

من الأمور التي ينبغي معرفتها بشأن مسجد هامبورغ، ما يتعلق باسمه وشعاره. إلى وقت قريب، كان ذلك المكان غالباً ما يُعرف بـاسم “المسجد والمركز الإسلامي في هامبورغ”، وكان الناس أحياناً يسمونه “المسجد” على نحو الاختصار. أثناء فترة رئاسة حجة الإسلام والمسلمين أنصاري، وُضعت لافتة من البلاط في الواجهة نُقش عليها اسم “مسجد الإمام علي عليه السلام”،كعلامة لمحبي أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم. في نفس الوقت، اشتهر هذا المسجد لدى الألمان وبين السياح باسم “المسجد الأزرق”، بسبب اللون الفيروزي الذي يميز بلاطه الخارجي، والذي يبرز ما يتميز به هؤلاء من الذوق وحب الطبيعة.

وهكذا، سيظل اسم الإمام علي عليه السلام على الدوام شعاراً مباركاً يسطع على واجهة هذا المسجد، ليكون مَعلَماً يذكِّر المسلمين بماضيهم الباعث على الفخر في عالمنا المعاصر اليوم، وجسراً يربط الماضي بالمستقبل.

ولادة الأكاديمية الإسلامية الألمانية

في بداية العام 1999م، وبعد عدة أشهر من الانتهاء من إنشاء المبنى، عاد حجة الإسلام والمسلمين أنصاري إلى إيران بعد مدة تُوِّجت بالنجاح وخلفه في هامبورغ حجة الإسلام والمسلمين حسيني نسب.

في ذلك الوقت، كان الحفاظ على منجزات “أكاديمية البروفسور فلاطوري العلمية الإسلامية” من أهم الأمور. تشكّلت أكاديميته في العام 1978م، وتدهورت أوضاعها بعد وفاته في العام 1996م. ولهذا الغرض، كان من الضروري الإسراع في إنشاء أكاديمية جديدة في المركز الإسلامي في هامبورغ. وقد أُنجز هذا العمل بفضل جهود الإمام الجديد للمركز، حجة الإسلام والمسلمين السيد رضا حسيني نسب، الذي تمتّع بصفات كان أبرزها القدرة على التخطيط والإدارة فضلاً عن مهارات الإبداع والابتكار.

إدراكاً منه لحساسية الوقت، قام فور وصوله بتسجيل “الأكاديمية الإسلامية الألمانية” بشكل قانوني، وأقام دعائم إنشائها وخصّص لها مكاناً مناسباً. صدر التصريح الخاص بإنشاء الأكاديمية في الثامن من فبراير-شباط عام 2000م برقم VR16426 من قِبل الأجهزة المختصة في ألمانيا، لتنضم إلى 84 أكاديمية إنجيلية و78 أكاديمية كاثوليكية، وتصبح ثالث أكاديمية إسلامية تحظى باعتراف رسمي. حملت ولادة “الأكاديمية الإسلامية الألمانية” البشرى باستمرار الحوار بين الأديان علاوة على استمرار الجهود لعرض الوجه المشرق والبديع للإسلام.

طبقاً لما ورد في ميثاقها الخاص، للأكاديمة الحق في ممارسة الأنشطة التالية: التعريف بالتعاليم الحقيقية للإسلام وعرض تصور واضح لهذه التعاليم من دون أحكام مسبقة؛ تبادل الخبرات والمعارف الدينية والثقافية والاجتماعية مع المحافل الدينية الأخرى؛ إقامة جلسات عمومية لعلماء الدين للتعريف الأمثل بتعاليم الإسلام؛ الحوار بين الأديان بهدف تبادل الآراء والاطلاع على أفكار الآخرين؛ إقامة دورات تعليمية، وندوات وأبحاث علمية على المستوى الأكاديمي؛ تعليم وتربية أفراد قادرين على تحمل المسؤوليات الدينية.

كان الدافع الأساسي لتأسيس الأكاديمية في المركز الإسلامي، هو استمرارية الرؤية القائمة على محورية الحوار التي انتهجتها “أكاديمية البروفسور فلاطوري العلمية-الإسلامية”. من هنا، وبناءً على وصية الراحل، انتقلت مكتبته الشخصية بعد وفاته إلى المركز الإسلامي في هامبورغ، لتوضع كتبه وكذلك أبحاثه الشخصية تحت تصرف المهتمين في الأكاديمية الحديثة النشأة.

تزامناً مع الحماس الذي ميّز تلك الفترة، حققت الأكاديمية الإسلامية إنجازات لافتة، كان من جملتها: جمع ونشر بعض مقالات البروفسور فلاطوري، نشر ثلاثة أعداد من المجلة الفصلية العلمية “الإسلام في الحوار”، استكمال عمل البروفسور فلاطوري في إعداد كتاب “المراجعات” باللغة الألمانية، عقد العديد من المؤتمرات العلمية السنوية في ألمانيا وعلى الصعيد الدولي حول مواضیع من قبيل: “حوار الأديان”، “السلام”، “إحياء ذكرى البروفسور فلاطوري” و”دور الدين في التعايش السلمي”.

    مدرسة آخر الأسبوع

سعى المركز الإسلامي في هامبورغ منذ العام 2000م، من خلال إنشاء الأكاديمية الإسلامية الألمانية وتخصيص مبنى جديد لهذا الغرض المهم، إلى استمرارية الأعمال الإيجابية للبروفسور فلاطوري لأجل الحوار بين الأديان وتعميق معرفة الإسلام. غير أنّه وفضلاً عن ذلك، شهد القسم الداخلي للمسجد نقطة تحول في التعاليم الإسلامية. انصب سعي إمام المركز ومتابعته للأمور برفقة الفريق المعاون، علاوة على الحفاظ على نضارة المسجد، نحو الاهتمام جدياً بتعليم المترددين على المسجد، ووضعوا ذلك على رأس جدول الأعمال. وهكذا، تم إحياء مجالس أيام السبت، أو ما عُرف بـ “مدرسة آخر الأسبوع”، وأقيمت جلسات تعليمية في نهاية الأسبوع حملت عنواين متعددة؛ بحيث ينبغي أن تُسمَّى الفترة الممتدة من العام 2000 إلى العام 2004م بفترة طفرة الدروس التعليمية في آخر الأسبوع.

 تقوية الاتجاه إلى الخارج

شهد توجّه المسجد والمركز الإسلامي بين 2004-2009م تغييرات وتحولات أخرى، كان من أبرزها “تقوية الاتجاه إلى الخارج”. من الأحداث المهمة في تلك المدة، انعقاد مؤتمرين مهمين في “بروكسل” و”فيينا” في العام 2006م بمبادرة من الحكومات الأوروبية، ووُجهت الدعوة إلى إمام المركز الإسلامي في ذلك الوقت، حجت الإسلام والمسلمين الشيخ قائم مقامي، لإلقاء كلمة في كلا المحفلين، تميزت باعتمادها منطق القرآن والعقلانية.

في تلك الفترة، كان يتم متابعة المناسبات الدينية بشكل جيد داخل ساحة الأديان، وفي الكثير من المواقف كانت تُتخذ ردود الأفعال والاجراءات المناسبة بإزاء القضايا المختلفة ذات الصلة بالأديان؛ ومن الأمثلة على ذلك، الرسالة الموجهة إلى البابا “بنديكت السادس عشر” وكذلك الرسالة الموجهة إلى قاضي محكمة كولونيا.

لأجل تعريف السياح بالأفكار الإسلامية بشكل سريع وموجز، تم إعداد كتيبات  باللغة الألمانية لهذا الغرض والتي على درجة كبيرة من الأهمية والفائدة. وللمرة الأولى شارك المركز الإسلامي في معرض فرانكفورت للكتاب بمجموعة من الكتب والمؤلفات. بُذل المزيد من الجهد لجمع علماء الشيعة في أوروبا، وهو ما يُضاف إلى إنجازات تلك الفترة، وبالطبع كان الأمر يتطلب المزيد من المتابعة لتحقيق الانسجام والتنسيق بين العلماء والمفكرين الشيعة.

 أيام مشاهدة المسجد

مرّ كلّ من المسجد والمركز الإسلامي في هامبورغ بمراحل مختلفة شهدت العديد من الصعود والهبوط؛ لكن الأمر المسلّم به هو أنّ كليهما قد وصل في الآونة الأخيرة إلى مرحلة النضج فيما يخص تنظيم الخدمات المعنوية ويستمر الأمر نحو مزيد من التقدم والازدهار في هذا الاتجاه. يمكن ذكر بعض خصائص مدة الأخیر على النحو التالي:

الارتباط المباشر للإمام مع عامة الناس؛ إعادة تأهيل وتشغيل الأكاديمية الإسلامية في ألمانيا في ثوب وتنظيم جديدين؛ التواجد من جديد في المجالس الخاصة بالجمعيات الإسلامية في هامبورغ؛ الجهد الجماعي لأجل توقيع أول عقد رسمي بين المسلمين وحكومة هامبورغ، ولإنشاء علاقة ذات تأثير مع المراكز الشيعية والسنية في ألمانيا وأوروبا الوسطى؛ تنظيم أنشطة بعض المراكز الأخرى؛ استئناف المؤتمر السنوي للناطقين بالألمانية؛ تأسيس مؤتمر الهيئات الدينية في أوروبا في الأيام الفاطمية؛ تنظيم مسابقات القرآن الكريم داخل ألمانيا وعلى صعيد أوروبا؛ التواجد على مستوى الدعاية التبليغية والإعلامية في الساحات الاجتماعية لجذب زوار أكثر بهدف التعرف بشكل مباشر على الإسلام في إطار توسعة البرامج والأنشطة السابقة، نظير: يوم الأبواب المفتوحة للمساجد ومراسم الاحتفال بالذكرى الخمسين للمسجد؛ زيادة جلسات العبادة في المسجد في شهر رمضان المبارك من عشر جلسات إلى ثلاثين جلسة، وفي شهر محرم من خمس ليالٍ إلى اثنتي عشرة ليلة، وفي عَشَرة صفر من ثلاث جلسات إلى اثنتي عشرة جلسة؛ البهاء الغير مسبوق لمراسم دعاء كميل وأحاديث ليالي الجمعة؛ إعداد وإصلاح وتحديث المرافق الخدمية والرعاية الاجتماعية والرفاهية؛ إرسال عدد كبير من الدعاة إلى المراكز الأخرى، واجتماع رجال الدين المقيمين في ألمانيا قبل شهري رمضان المبارك ومحرم؛ التواصل المكثف مع طلاب الجامعات وإعادة الارتباط مع طلاب اتحاد الجمعيات الإسلامية في ألمانيا وأوروبا؛ تجديد وتطوير مجلة “الفجر” على المستويين العلمي والتقني كأقدم نشرية أكاديمية للشيعة في ألمانيا؛ المساعدة في تشكيل تجمعات للشيعة العرب والأتراك والمشاركة في جلساتهم الخاصة؛ تقوية الارتباط بالإخوة المستبصرين والعلويين؛ السعي لتعميق التواصل مع عمادة مدينة هامبورغ ومجلسها المحلي وكذلك مع البرلمان المركزي في ألمانيا؛ علاوة على أنشطة وأعمال أخرى.

زادت هذه الإنجازات من عظمة ومكانة المسجد والمركز الإسلامي، كما أضفت الحماس والحيوية ورسمت أفقاً مشرقاً مفعماً بالأمل بشأن المسجد. ينبغي-وبحق- تسمية هذه الأيام أيام مشاهدة المسجد؛ الأيام التي شهدت وصول المسجد إلى قمة وذروة مكانته وتطوره عبر مسيرة استمرت لأكثر من خمسين عاماً، واستعداده لطي مرحلة جديدة من الصعود والتطور. لا شك أنّ المكانة الحالية للمسجد مرهونة بجهود إدارته الكفوءة والأفراد المؤمنين الذين وضعوا اللبنات الأولى وأسسوا المراحل الأولى بشكل صحيح. وهنا نجد من المناسب الإشارة إلى بعض جوانب هذه التطورات:

المسجد يبلغ من العمر خمسين عاماً!

دائماً ما تشكّل الذكرى الخمسين على بدأ عمل أو شئ ما مناسبة خاصة في ثقافة الألمان وتحظى باحترام لديهم. من المناسبات المباركة التي ينبغي أن ننظر إليها كفاتحة خير وفأل حسن، ذكرى مرور خمسين عاماً على إنشاء المسجد، والتي نعيشها في هذه السنوات. كما مثّل إقامة احتفال بمرور خمسين عاماً على تأسيس المركز الإسلامي في هامبورغ فرصة مناسبة للتعريف بالإسلام بشكل مباشر، ولإظهار وجهه الحقيقي للرأي العام لمواطنى ألمانيا، وللرد بشكل واضح على الدعاية الكاذبة لبعض التيارات المشككة ووسائل الإعلام المرتبطة بها.

في هذا الصدد، ومع العمل المتواصل ليلاً ونهاراً لستة أشهر، تم اتخاذ تحضيرات واسعة لتنظيم الاحتفال على مدى يومين، من الصباح إلى الغروب، عبر تشكيل مجموعتين لتنفيذ البرامج الخاصة بالاحتفال ولاستقبال الآلاف من المدعويين. في الخامس والعشرين من أغسطس-آب 2012، أقيم احتفال عام بهيج حضره جمع متنوع من الشخصيات العامة، وصل عددهم إلى خمسة آلاف شخص، ولأول مرة خلال خمسين عاماً، مع حلول وقت صلاة الظهر، يُرفع الأذان العذب من مأذنة المسجدة.

ثُمّ وفي التاسع والعشرين من أغسطس-آب 2012، أقيمت برامج خاصة للشخصيات والنخب العلمية والثقافية والسياسية من ألمانيا وسائر البلدان، وكان في مقدمتهم الشخصيات الدينية والمسؤولين في هامبورغ والحكومة الاتحادية (الفيدرالية) الألمانية بالإضافة إلى مدعوّين من إيران ومن مختلف مناطق العالم.  

الأبواب مفتوحة أكثر من أي وقت مضى!

أُعلن في ألمانيا عن يومين بعنوان “الأبواب المفتوحة للمعابد”، أحدهما للكنائس والآخر للمساجد. تحدد يوم الثالث من أكتوبر-تشرين الأول، والذي يصادف ذكرى اتحاد الألمانيتين الشرقية والغربية، ليكون اليوم المفتوح للمساجد، وعُهِد إلى مجلس التعاون لمسلمي ألمانيا مسؤولية الاحتفال بهذا اليوم.

كسائر المساجد الأخرى، احتفل مسجد الإمام علي عليه السلام والمركز الإسلامي في هامبورغ بيوم “الأبواب المفتوحة للمساجد” على مرّ الأعوام السابقة، لكن العام 2012م كان بمثابة نقطة تحول في هذا الصدد. في ذلك اليوم، وعلى إثر التحضيرات المسبقة والدعاية الواسعة في مختلف أرجاء المدينة، وفي محطات المترو وغيرها، حضر ما يزيد عن ثلاثة آلاف زائر من ألمانيا ومن السياح الأجانب لمشاهدة المسجد للتعرف على الإسلام بشكل مباشرة.

تمكّن العديد من السياح في ذلك اليوم من التحدث مع المسؤولين عن المسجد وطرحوا عليهم مختلف الأسئلة التي أجاب عنها مسؤولو المسجد. كما كان ذلك اليوم فرصة مناسبة للتعرف على الثقافة المحلية الأصيلة لإيران. نظراً للحضور الملفت للناس في السنوات الأخيرة، أصبح هذا الأمر يحظى بتغطية في وسائل الإعلام العامة في ألمانيا، وصار عدد الزائرين في تزايد مستمر عاماً بعد عام، بحيث أنّه في العام 2013م استمتع أكثر من أربعة آلاف شخص بالبرامج المتنوعة ليوم المساجد المفتوحة في مسجد الإمام علي عليه السلام في هامبورغ.

 هامبورغ، مركز التقريب في شمال أوروبا

نظراً لضرورة الوحدة والتقارب بين المسلمين، تم تقسيم العمل ليُعهد إلى المركز الإسلامي هامبورغ مهمة عقد مؤتمر التقريب في دول شمال أوروبا. في هذا الصدد ومنذ العام 2011م وإلى اليوم، عُقدت مؤتمرات تحت عناوين “السيرة النبوية ورسالة علماء الدين 2011م”، “سيرة نبي الإسلام صلي الله عليه وآله وسلم ودور الزمان والمكان 2012م”، و”الإسلام والعولمة” 2013م، و”تعلم العلوم الإسلامية في ألمانيا والتحديات المقبلة 2014م”، و”التطرف: تحدٍ للإسلام والمجتمع 2015م”، و”دور المسلمين في الأنشطة الاجتماعية للمجتمع 2016″.

  إنتاج الأكاديمية الإسلامية الألمانية 

بدأت “الأكاديمية الإسلامية الألمانية” أنشطتها بشكل رسمي كهيئة مستقلة عن المركز الإسلامي في هامبورغ منذ العام 2000م، وأبقت بشكل أساسي على البرنامج التعليمي في آخر الأسبوع، وبعد النجاحات التي تحققت في أول عامين استطاعت بالكاد القيام بأعمال على مستوى أوسع كنشر الكتب والمجلات. في الآونة الأخيرة، وبناءً على نظر المختصين، تصدر إنتاج الأكاديمية قائمة الأولويات. ونظراً لما تشهده ألمانيا وأوروبا اليوم من تحولات اجتماعية وفكرية، تصبح أنشطة الأكاديمية أمراً ضرورياً، وتبرز الحاجة في المستقبل إلى وجود كتب تُعنى بتقديم أجوبة أكثر دقة وعمقاً حول الإسلام والقرآن الكريم. ولعلّه لهذا السبب منحت الحكومة الألمانية ولأول مرة ترخيص إقامة لمدير الأكاديمية.

 بيان الهويّة

يسعى مسجد الإمام علي عليه السلام في هامبورغ إلى الإعلان بشکل صریح وموجز عن هويته المؤسساتية ومبادئه الفكرية والثقافية وموقفه الرسمي عبر شعار ومجموعة من البيانات، انسجاماً مع ميثاقه الخاص، وعلى أساس نظرة عقلانية. “لنجعل العالم أكثر جمالاً بالأخلاق الإلهية!”، هذا هو الشعار الخاص والرمز الروحاني المميز لمسجد الإمام علي عليه السلام والمركز الإسلامي في هامبورغ.

انسجاماً مع هذا الشعار، ولأجل نشر وتحقق القيم والأخلاق الإلهية، وضع مسجد الإمام علي عليه الإسلام والمركز الإسلامي في بؤرة اهتمامهما خمس كلمات ذات قداسة تشكل أهدافاً قيمية يسعيان إلى تعزيزها والترويج لها، ليكون لهما إسهام في جعل العالم أكثر جمالاً. هذه الكلمات هي: 1. الروحانية والإيمان الديني؛ 2. العقلانية والاعتدال؛ 3. العدالة والمساواة؛ 4. الحرية والأمن؛ 5. الكرامة الإلهية للإنسان.

 إن وزن مسجد الإمام علي عليه السلام في هامبورغ وحجم تأثيره يحدده مجموعة من الضوابط والمعايير، والتي من جملتها:

1. البُعد التاريخي والإرث الثقافي اللذان يتجليان في العشرات من ألوان الفنون الإسلامية كالخط، وأدوات الزينة، والسجاد اليدوي الإيراني، وغير ذلك؛

2. تمثيل الإسلام المعتدل العقلاني؛

3. الانتماء إلى المرجعية الشيعية؛

4. البُعد العالمي الذي يبرز من خلال مشاركة أشخاص ينتمون إلى أكثر من خمسين عرقاً وقومية مختلفة؛

5. اتساع الأنشطة والبرامج على صعيد ألمانيا وأوروبا، ومن جملتها رئاسة مجلس علماء في ألمانيا (وهو أعلى مرجع اتحادي لمراكز الشيعة في ألمانيا IGS) ورئاسة الاتحاد الإسلامي الأوروبي لعلماء الدين الشيعة IEUS).

على هذا النحو، ينبغي القول: إنّ مسجد الإمام علي عليه السلام والمركز الإسلامي في هامبورغ بمثابة المتحدث عن الإسلام بلهجة عذبة، والقاعدة المركزية للشيعة ومصدر الإلهام لهم، والمُعبّر عن تعاليم أهل بيت النبي عليهم السلام في سائر أنحاء أوروبا.