بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد
لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في
أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
 عباد
الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .

توصّلنا في الخطبة الماضیة
إلی حقیقة أنَّ الشریعة هي نصّ القوانین التي وضعها الله تبارك و تعالی الذي هو
مالك كلّ موجودٍ علی وجه البسیطة و هو الذي یعلم ما یسرّ عباده و ما یضرّهم و لذلك
جعل ما هو في صالحهم واجبًا للعمل به و یحذّرنا عن ما هو مضرٌّ و قبیحٌ و أوجب
تركه كما و جعل حُسن الجزاء لمن أطاعه ، فهو الذي یعلم ما یستحقّه كلٌّ من عباده
من جزاءٍ و عقاب و لیس هنالك مثقال ذرّة من شك في عدالته جلّ و علا و لا في رحمته
التي تسبق غضبه ، فهو الذي لا یُجَوِّز أيِّ من القبائح و لو كانت علی أصغر ما
یكون. [1]

و الأمر المهمّ الآخرهو أنَّ الله تبارك و تعالی یُوجِّه أمره و نهیه لأولئك
الذین قد توفّرت فیهم شروط التكلیف ، أي الذین قد وصلوا إلی سنّ البلوغ و هذه
الشرائط هي :  

أ‌.       
العقل  : إنَّ الذي تشمله شروط
التكلیف یجب أن یحوز علی العقل ، إذ لا تكلیف لمن هو مجنون ، بالرغم من أنَّ هنالك
بنود في الشریعة تحفظ له حقوقه.

ب‌.  
الحیاة : حین یتولّد الإنسان ویكون
علی قید الحیاة و ینمو و یصل إلی سنِّ البلوغ تشمله الواجبات
و التكلیف .

ج‌.    
القدرة : إنَّ الذي هو
معلول أو عاجز و لا یستطیع أن یقوم بأيٍّ من الواجبات الدینیّة التي فرضها الله
جلّ و علا ، فلا  تكلیف یشمله .

د‌.      
العلم  : یجب أن یكون الإنسان علی علمٍ
وإدراكٍ للواجبات الشرعیّة و أن یكون في حالة تكون المقدّمات التي یجب أن یعمل بها
في وسعه أو أنّه یكون قادرًا علی الحصول علیها كوسائل القیام بالأعمال الضروریّة.

و لكنّ التكلیف یجب أن یكون خالیًا من
أیّة مفسدة ، أي أنَّ كلّ شئ فیه مفسدة لا یمكن أن یكون من محتویات التكلیف. و
الدلیل علی ذلك هو أنَّ القوانین الإلهیّة لا تحتوي و لا مثقال ذرّة من النقیض و
الخلاف ، إذ أنَّ الأحكام و الشریعة الإسلامیّة 
لا تحتوي إلّا ما فیه الصلاح و السعادة للإنسان.

كما و أنَّ ما لا شك فیه هو أنَّ ما یكون واجبًا علی
الإنسان ، یجب أن یكون ما یفهمه المُكلَّف ، أي بتعبیر أخَر یجب أن تُتاح الفرصة
للمُكلَّف أن یتعرّف علی أجزاء و أركان و شرائط ما یكون واجبًا علیه أداؤه.

و الأمر الآخَر الذي
نراه في القوانین و التعالیم الإلهیّة ، هي أنَّ ما یكون تكلیفًا للإنسان ، لا
یكون إلّا ما هو في وسع المُكلَّف كما نری بیان ذلك في قوله تعالی : « لا
یُكلِّفُ اللهُ نفسًا إلّا وُسعَها . »

كما و أنَّ أيِّ عملٍ
یرید المُكلَّف أن یقوم به یجب أن یكون صالحًا و إن كان القیام بذلك العمل هو ما
تقتضيه الضرورة ، فهو واجبٌ و إن لم یكن القیام به لیس ضروريٌّ جدًّا ، بل إنّ
أداءه أفضل ، فهو مستحب. 

فلو كان علی المُكلَّف
أن یترك القیام بعملٍ فیه المفسدة ، حین تکون المفسدة لا مردّ لها ، فالقیام بذلك
العمل هو حرامٌ  بحتٌ و لكن لو كانت تبعاته
سیِّئةٌ نوعًا ما ، و یُفضَّل تركه ، فهو عملٌ مكروه.

فخلاصة الكلام هي أنَّ
ما هو واجبٌ ، یكون ما فیه المصلحة و یجب العمل به و الأعمال التي تكون تبعاتها
المفاسد یجب تركها و لا ترجیح لها و هذه الأعمال هي ما تكون ما ألغاها الله تبارك
و تعالی.

و النتیجة هي أنَّ ما
جاء في القوانین الإلهیّة لا تکون الّا لما فیها ما لا تُعَدُّ و لا تحصی من
المصالح للعباد و أن لیس هنالک أيِّ قانونٍ لا مصلحة فیه فمن الأعمال ما فیها
الصلاح و هي التي یجب القیام بها و منها ما لا صلاح فیها و هي التي یجب ترکها ، إذ
أنَّ العمل بها یجلب المفاسد مثل القمار و ما شاکله و لذلک یجب  ترکها والتجنُّب عن المفاسد و الوبال الذي
فیها.

فحین نتمعّن في شروط التکلیف نحصل علی النتیجة المهمّة التي
هي أنَّ الإسلام هو الدین المبین الذي نظمه الشریعة و التکلیف و القوانین الإلهیّة
و هي التي لم تکن إلّا لضمان السعادة و الرغد في الحیاة الدنیا و الفوز بالجنّة في
الآخرة.

نرجو
الله تبارك و تعالی أن یمنّ علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة
الإسلامیّة ونسأله جلَّ وعلا أن یُوَفِّقنا  للتعمُّق في خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و لأولیائه علی عتبة
رحمته و أن نكون خلوقین محسنین تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و نشكره علی كلِّ
ما وهبنا من الهُدی وأن نهتمّ بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل الرشاد والعمل الصالح
و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.   

[1] .  مبحث شرائط تكلیف النفس ، فیما یخص ما جاء عن تكلیف المُكلِّف  و المتكلِّف في الكتب آداب الكلام ؛ و منها «
شرح التجرید » للخواجة نصیرالدین الطوسی و كتاب  « كشف المراد » للعلّامة الحلّي و « قواعد
المُرام » لإبن میثم البحراني.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment