بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد
لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في
أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
 عباد
الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .

تكلّمنا في الخطب الماضیة عن
الشریعة الإسلامیّة و تطرّقنا الی بیان المصالح و المفاسد فیها و ما علی الإنسان
من واجبات و تكالیف، كما وضّحنا تقسیم التكالیف و سعة شمولها و المهمّ هو بیان
التكالیف الفردیّة و التكالیف الإجتماعیّة.  
 

أ. التكالیف الفردیّة:
إنَّ المقصود من التكالیف
الفردیّة هو ما یخصُّ الإنسان الذي فضّله الله تبارك و تعالی علی الكثیر من
المخلوقات ، فعلیه إذن أن یقوم بما علی عاتقه من المسؤلیّات و منها الصلاة التي هي
الواجب المطلق علی الإنسان و هي ضروریّة ُسواءً إن كان الإنسان لوحده أو بین
الناس. و هنالك ما یجب علیه تركه علی الإطلاق مثل شرب الخمر أو لعب القمار و هذه
الأعمال هي من المحرّمات التي یجب علی الإنسان إن یتجنّبها في أيِّ حالٍ كان.

ب. التكالیف الإجتماعیّة:
إنَّ التكالیف الإجتماعیّة هي ما تشمل الأمورالتي تخصُّ المجتمع أی تعامل الأفراد
مع المجتمع الذي  یعیشون فیه. فلو فرضنا
أنَّ إنساناً كان یعیش لوحده علی الكرة الأرضیّة ، لكان في وسعه أن یعیش أین ما
شاء و لم تكن هنالك أِّیّة محدودیّة لحرّیّته.

و لكن حین یکون
هنالك أفرادٌ آخَرین یعیشون علی وجه البسیطة فلكلٍّ منهم شأنه و
مُلكَه و لا یجوز لأيِّ أحدٍ أن یتجاوز 
الحدود و یتصرّف  بأموال الآخرین
فلا یجوز ذلك إذ أنَّ هذا هو محض « الغَصب » و هو حرامٌ بحت. كما و أنَّ هنالك
أحكام و تكالیف أخری علی عاتق الإنسان المُكلَّف و یجب علیه أن یعرفها بكلّ دقّة و
أن بعمل بما علی عاتقه من واجبات.

إنَّ هذه الأمور
التي تخصّ الحیاة الإجتماعیّة، هي الأحكامُ التي تفضّل بها الله تبارك و تعالی علی الإنسان لتنظیم حیاة الناس في المجتمعات و التجنُّب عن
الفوضی و هي متوافرة في الإسلام و بتطبیق هذه القوانین ینال كلّ إنسان جمیع حقوقه
ویعیش في أمانٍ و رغدٍ  في المجتمع. إنَّ
هذا التنظیم یصلح الإنسان و نفسه و المجتمع الذي یعیش فیه و یجعله علی بصیرة لیمیّز
بین الخبیث و الطیِّب، وفقاً للمعاییر الدینیة و الاصول المتعارفة و اتّباع
احسنها.

و النتیجة تكون
نظرته للإسلام نظرة جدّیّة و یتّبع التعالیم و الأصول التي فیها تنظیم رابطته مع
نفسه و مع الآخَرین و خصوصاً مع الله تبارك و تعالی الذي قد سنَّ الأحكام الشرعیّة
و وضع القوانین الإلهیّة لتنظیم الحیاة الإجتماعیّة بین الناس في المجتمعات التي
یعیشون فیها و لكي یتجنّبوا المشاكل و لیروا سبیل الرشاد و یتّبعوه و ذلک بالقیام
بواجباتهم الشرعیّة و الإنسانیّة ساعین بها سبیل الرشاد و نیل الكمال الذي قد
خُلِقوا من أجله.

و حین نتمعّن في
الآیات الإلهیّة یتَّضِح لنا أنَّ هنالك مسؤلیّة علی عاتق الإنسان في أيِّ مجالٍ
كان و ذلك لكي لا یكون الإنسان في حیرة ممّا یخصُّ العقیدة و الأخلاق و الأعمال و
لكي لا یتیه في حیاته في الدنیا و ما لا شك فیه هو أنَّ الأحكام و القوانین
الإلهیّة لیست مجرّد سلسلة أحكام فقط ، إذ لو أنّنا تمعنّا فیها لرأینا أنَّها
تکون وفقًا للفطرة الإلهیّة التي تكمن في ذات الإنسان ولیس فیها أيِّ تحمیلٍ بما
لا طاقة للإنسان به فإنَّه جلّ و علا لا یُكلِّفُ نفسًا إلّا وُسعها.

و لذلك فإنّنا نری
في الآیة الشریفة « لَقَدْ أَرْ‌سَلْنَا رُ‌سُلَنَا
بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ
بِالْقِسْطِ » إنَّ البیان الدقیق في كلمة «لیقوم» و لم یكن في تعبیر «لیقیم» و الفرق بین هذین التعبیرین هو أنّنا لانری
في تعبیر «لیقوم» أيِّ اجبارٍ  فإنسان الذی یعرف القوانین الإلهیّة، یعمل بها
لأنّها تتطابق مع فطرته و لا یكون قد أُجبِرَ علی القیام بالعملٍ بها، و لذلك
تُستَعمَل هذه الكلمة لأنّها تتطابق مع الأحكام الإلهیّة التي تتطابق هي بدورها مع
فطرة الإنسان كما نری ذلك في بیان قوله تعالی «لاتبدیل لخلق الله» و
هذا ما یجب أن نعلمه و هو أنَّ كلّ الأحكام الإلهیّة تكون طبق هذا المنوال.

و كم من الآیات
التي تخصُّ الخلقة ، فیها بیان أنّها تتطابق مع فطرة الإنسان و لذلك فإنَّها من
فضله تعالی علی العباد و لا یتمّ الشكر علی ذلك إلّا بالعمل بها بكلّ صدقٍ و
إخلاص، فإنّها من أكبر النِّعَم و علینا أن نتجنّب بكلّ ما في وسعنا عن إنكارها،
كما نری تكرار بیان ذلك في سورة الرحمن في قوله تعالی « فَبِأَيِّ آلَاءِ رَ‌بِّكُمَا تُكَذِّبَانِ »   

إنَّ في تکرار هذه الآیة بیان أهمّیّة أنَّ علینا
أن نعرف قدر کلّ نعمة و نشکرها له جلّ و علا بکلّ ما في وسعنا، و  هکذا یتبیّن لنا أنَّ التمعُّن في الأحکام الإلهیّة
بکلّ دقّة و عنایة ضروريٌّ جدًّا کما و أنّنا نری أنَّ ما لا شکَّ فیه هو أنَّ
أکبر النِّعَم الإلهیّة من بعد تیسّر کلّ الشروط الضروریّة لوجود الإنسان علی وجه
البسیطة ، هي إتمام نِعَمِهِ تبارک و تعالی بالأحکام و السُّنَن و القوانین
الإلهیّة التي تفضّل بها علی البشریّة ، بل و أنَّ نِعَمَهُ الواسعة لا تُعدُّ و
لا تُحصی و منها فضله عزّ و جلّ علی العباد بإرسال الأنبیاء و توکیل الأوصیاء
المعصومین علیهم السلام لتبیان و تفسیر الأحکام المقدّسة بصورة
صحیحة لکي یهدوا الناس إلی الصراط المستقیم و لکي لانقع في الخُدع و یتّجه نحوه
الأنحراف و التیاه. 

نرجو الله تبارك و تعالی أن یمنّ علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة
الإسلامیّة ونسأله
جلَّ وعلا أن یُوَفِّقنا  للتعمُّق في
خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و
لأولیائه علی عتبة رحمته و أن نكون خلوقین محسنین تجاه الآخرین من عباده و أن
نحمده و نشكره علی كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نهتمّ بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة
سبیل الرشاد والعمل الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ
النِّعَم.

                                                                                     
                          والسلام علیكم و رحمة الله و
بركاته

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment