صلاة الجمعة

الخطیب: مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة الله
الدكتور رضا الرمضاني03.10.2014

                                                         بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد
لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في
أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
 

عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .

إذا أردنا أن نقدِّم النظرة الصحیحة عن « حقوق الإنسان كما هي في التعالیم الإسلامیّة
»، یجب علینا أن نری قبل كلّ شئ التعریف الصحیحة « للإنسان ». و لذلك نمرُّ ببعض
ما في الإسلام عن تعریف الإنسان و أهمّ ما نراه هو أنَّ في تعریف الإنسان إرتباطٌ
عمیقٌ بالتوحید و النبوّة و المعاد و المسائل الأخلاقیّة و الأحكام الإجتماعیّة.

 إنَّ ما نراه في التعالیم الإسلامیّة
عن ما یخصُّ تعریف الإنسان ، هو أنَّ الإنسان موجودٌ محوريٌّ في نظام الوجود، و
لذلك فإنَّ الله تبارك وتعالی قد هیّأ ما یحتاجه الإنسان في الحیاة الدنیا كما نری
بیان ذلك في قوله تعالی:« وَجَعَلَ لكُم الأرضَ فِراشاً وَالسَّماءَ
بِناءً»[1] و قد عرض الله تبارك و تعالی علیه بأكبر و أعظم أمانة و
قبل حملها الإنسان كما نری بیان ذلك في قوله تعالی:« إِنَّا
عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ
أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ
ظَلُومًا جَهُولًا »[2] و من بعد ذلك تفضّل
الباري جلّ و علا علیه بلیاقة التعلُّم أي الحكمة و المعرفة و العلوم الإلهیّة و« وَعَلَّمَ آدَمَ الأسماءَ كلَّها»[3] ثمَّ رفعه الله تبارك و تعالی
إلی درجة أصبح فیها جدیرًا للتعظیم و التكریم و التمجید لدرجة عالیة كما نری بیان
ذلك في قوله تعالی : « وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ
اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ
الْكَافِرِينَ » [4]

و أوّل إنسانٌ خلقه الله تبارك و تعالی و جعله خلیفة في الأرض هو أبونا آدم
ع و هو الذي نال اللیاقة لكونه مظهر الأسماء الحسنی و الصفات التي وهبها الباري
جلَّ وعلا تكریمًا و تعظیمًا له و یوجّهُنا الله عزّوجلّ بالآیة التي جاء فیها
بیان آلائه وآیاته في قوله تعالی: « وَفِي
الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ »[5] و في آیة أخری « سَنُرِيهِمْ
آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ
الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ»[6]     

و هذه الآیة هي التي یُحَذِّرُنا الله تبارك و تعالی فيها عن الغفلة و الضلال
و المخادع في قوله تعالی : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ
إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ »[7]

و ما نستنتجه من الكثیر من الآیات و الروایات هي أنَّ معرفة الإنسان هي
الوسیلة لمعرفة الله عزّ و جلّ كما و أنَّ الغفلة بحد ذاتها و نسیان النفس و
الغفلة عن شؤونها هي التي تؤدّي بالإنسان إلی الغفلة ونسیان الباري جلَّ و علا كما
نری بیان ذلك في قوله تعالی : « نَسُوا اللهَ فأنساهُم أنفُسَهُم
»    

كان من بني آدم أناسٌ من كانوا عباد الله المُخلَصین و أولئك الشخصیّات العظام
الذین توصّلوا إلی مقام النبوّة و الرسالة و الإمامة و هم الذین یكونون خیر أسوة
للإنسان ما بقي اللیل و النهار ، فهم المُعلّمون الأزكیاء الأطهار الذین كانوا خیر
النُخبة من ذوي المعنویّات العُلیا العلمیّة و ذوي المكانة العالیة جدًّا.

و هذا الإنسان هو الذي قد حصلت حقیقته في المكانة الأبدیّة و حین یحیی في یوم
المعاد و قد تعرّفت الآخرة له و إدراك هذه الحقیقة المقبولة من دون أيِّ شك هي
الروح في جسم الإنسان و لذلك یجب مراعاة حقوق الإنسان في كلّ العوالم الوجودیّة
الجسمیّة و النفسیّة و الذاتیّة و المعنویّة للحصول علی التعرفة الدقیقة لها.

إنَّ التوجُّه إلی البُعد الأخلاقي و المعنويّ للإنسان و الأصول الإجتماعیّة
لمعرفة الإنسان سوف تُعیننا للتعرُّف علی أنواع الحوائج و المعارف و أنواع
إرتباطات الإنسان بصورة صحیحة ، كما و أنَّ أنواع الحقوق التي تخصُّه یمكن الحصول
علیها بالإستناد علی واقعیّة وجوده. فالكلام عن معرفة حقوق الإنسان یمكن أن یكون
من بعد تعریف و تبیین الحقیقة الإنسانیّة.

و ما یتّضح لنا تمامًا بالرغم من أنّنا نعلم أنَّ الإنسان یتكوّن من الجسم
الطبیعيّ و الروح المعنویّة التي هي ما فوق الطبیعة، و لكن في هذا التركیب تكون
الروح هي التي تدیر التدبیر الجسميّ و لذلك فإنَّ جمیع حقوق الإنسان یجب أن تكون
من وجهتین من النظر و إحداهما هي الجنبة الفرعیّة و الأخری هي الجنبة الفطریّة و
الأصلیّة ، إذ أنَّ كلّ نوع من الحوائج و الرغبات في حقیقة الإنسان كموجود مُفضَّل
في الأنظمة الوجودیّة ، تعود إلی الأبعاد المعنویّة و الفطریّة و الرغبات التي هي
ما فوق طبیعته.

و لذلك فحین نتمعّن في الأبعاد المختلفة في مجال حقوق الإنسان یجب أن ننظر إلی
كلتا الجنبتین بالنظرة الفرعیّة و الأصلیّة، في حین أنَّ ساحة الطبیعة الأصلیّة و
الساحة التي هي ما فوق الطبیعة ، بنظرة فرعیّة لكلٍّ منها أو النظر إلی كلا
الطرفین بالنظرة المتساویة ، فلا یمكن الحصول علی حقیقة حقوق الإنسان. فبناءًا علی
ذلك یكون تنظیم البنود في الحقوق البشریّة من بعد معرفة حقوق الإنسان ، و عندئذٍ
یمكن تدوین حقوق البشریّة و حقوق الإنسان.

فما لا شك فیه هو أنَّ إعادة النظر إلی جوهرة الدین و حقیقته التي هو الوحي
الإلهيّ و یكون قد تمّ إبلاغُه إلی الناس لمعرفته و هدایته التي أوحاها الله تبارك
و تعالی إلی أنبیائه و رُسُله الكرام لهدایة البشریّة عطاءًا وكرامةً  لها ، فیجب علینا أن نتمعّن بكلّ ما في وسعنا
من دقّة و تفقُّه في تلك الأمور لكي ندرك حقیقة الإنسان في المجتمعات البشریّة في
یومنا هذا و لكي نجعل حقوق الآخرین في موضع الإحترام عند الجمیع.

كما و أنَّ ما هواضحٌ لا شك فیه علاوة علی كلّ ما ذكرناه ، هو أنَّ ما نحصل
علیه فیما یخصُّ معرفة الإنسان عن طریق ما جاء في الوحي  هو أنَّ منشأ الناس كلُّهم یكون من جوهرة مُنوّرة واحدة و كلُّهُم یكونون ذوي كرامة ذاتیّة و یتمتّعون
بالمواهب الإلهیّة و لافرق بین الرجل و المرأة من القِیَم الأخلاقیّة و الفضائل
المعنویّة التي تنشأُ من الروح و النفسیّة و لذلك فإنَّ من وجهة النظر الإسلامیّة
تكون حقوق الإنسان ذات أبعاد معنویّة مختلفة و یكون معرفة حُرمتها و إحترامها
مهمّة لكلّ إنسان.

نرجو الله تبارك و تعالی أن یمنّ علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة
الإسلامیّة ونسأله جلَّ وعلا أن یُوَفِّقنا  للتعمُّق في خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و لأولیائه علی عتبة
رحمته و أن نكون خلوقین محسنین تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و نشكره علی كلِّ
ما وهبنا من الهُدی وأن نهتمّ بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل الرشاد والعمل الصالح
و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.                                                                   

                                                 

 

                                     والسلام علیكم و
رحمة الله و بركاته

[1] . بقره 22.

[2]  احزاب 72 .

[3]  بقره 31

[4]  بقره 34 .

[5] . ذاریات، 20.

[6] . فصّلت، 53.

[7] . مائده، 105.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment