الخطیب: مقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة الله
الدكتور رضا الرمضاني26.12.2014
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد
لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في
أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .
لقد تبیّن لنا في الخطب الماضیة أنَّ الذي یُعَیِّن حقوق
البشر و یسنُّ القوانین التي تُنَظِّمَها لم یكن قادرٌ علی ذلك إلّا الله تبارك و
تعالی فإنّه هو الذي خلق الإنسان و منه جلّ و علا یكون المصدر الوحید لسنّ
القوانین الإجتماعیّة لحقوق الإنسان. و ما لا شك فیه هو أنَّه حین یكون الكلام عن
حقوق الإنسان یجب مراعاة ما هو مشتركٌ بین جمیع أفراد المجتمعات البشریّة بصورة
عادلة و متساویة. و حین نتمعّن في الآیات الإلهیّة من وجهة النظر هذه ، نری أنَّ
ما هو مشتركٌ بین جمیع أفراد البشریّة هي فطرة الإنسان التي لها أربعة خصائص
أساسیّة و هي:
1ـ إنَّ محور حیاة
الإنسان هو التوجُّه إلی الله تبارك و تعالی و الرغبة لمعرفته و عبادته.
2ـ هذه الغریزة تكمن في
خِلقَةِ كلِّ إنسان .
3ـ إنّ هذه الغریزة لیست
إكتسابیّة.
4ـ هي محفوظة من كلّ
تغییرٍ و تبدیل.
كما نری بیان ذلك في قوله تعالی: « فَأَقِمْ وَجْهَكَ
لِلدِّينِ حَنيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْديلَ
لِخَلْقِ اللَّهِ. » فلو إن تفتّحت هذه الإحساسات في نفسیّات كلّ الناس لعاشوا
جمیعًا في صلحٍ و أمان و رغدٍ و سعادة.
و لذلك فحین یعمل كلّ إنسان وفقَا لمتطلّبات فطرته بصورة
إیجابیّة ، سوف
یكون النموّ الفكريّ و الأخلاقيّ و المعنويّ ما یتوصّل إلیه الجمیع ویرتقي المجتمع
الأنسانيّ عندئذٍ إلی مرحلة عالیة من الكمال بحیث أنَّ التعامُل بین الناس بأجمعهم
یكون بأحسن ما یمكن و وفقًا للقیَم الإنسانیّة المبنیّة علی التعالیم الإلهیّة ،
إذ أنَّ « الحقّ » و« الحقّ المبین » هو الله تبارك و تعالی كما و أنَّ منشأ الحقّ
بین الناس لم یكن إلّا منه جلّ و علا ، كما نری بیان ذلك في قوله تعالی «الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ» وعندئذٍ
یكون كلّ باطلٍ و سهوٍ و نسیانٌ بعیدًا عن الأخلاق الإنسانیّة.
و السؤال المهمّ هنا هو كیف یمكن أن یكون في القرآن الكریم
الذي أُنزِلَ قبل 1400عامًا الأجوبة علی كلّ الأسئلة التي تخصُّ حقوق البشر لیومنا
هذا ؟ فهل من الممكن أن نری في القرآن الكریم الأجوبة علی كلّ الأسئلة التي یتقابل
معها الناس فیما یخصُّ حقوق البشر في أيِّ عصرٍ و زمان ؟
و في الجواب علی
هذه الأسئلة یمكن أن نقول أنّه حین یكون الكلام عن حقوق البشر ، فلا یمكن أن تكون
هنالك فروقٌ بین حقوق البشر بالأمس و في یومنا هذا و لا ما یخصُّ حقوقه غدًا!
بل إنَّ حوائج الإنسان مشتركة بین كلّ الناس من بدایة
الخِلقة ، فنری مثلاً قضایا مثل ما یحبّها الإنسان في تصرُّفات الناس مع بعضهم و
عدم الظلم و الجور علی الآخَرین و حفظ الكرامة بین الرجل و المرأة و التصرُّف
بالتعقُّل و التفكر والعدالة و التعامُل فیما بینهُم بالصدق و الصراحة و الأخلاق الحسنة
و حتّی في المجال السیاسي و الحكومات و الأمور الإقتصادیّة و حفظ حقوق المرأة و
مكانتها في العائلة و في المجتمع و توزیع الثروات بصورة عادلة و هلمَّ جرّا.
إنَّ هذه الأمور لیست ما كانت تقابل الناس و یحتاجون
تنظیمها في الماضي فقط ، بل إنَّ كلّ هذه الأمور هي الأمور الأصولیّة الأساسیّة
التي یتواجَه معها الناس في كلّ عصرٍ و زمان.
و لذلك فإنَّ في
القرآن الكریم كلّ ما یخصُّ الإنسان من تنظیم أمور حقوقه و مكانته في المجتمعات
كما نری بیان ذلك في قوله تعالی:« وَنَزَّلْناعَلَيْكَ
الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْء » كما و رُويَ عن الإمام الصادق ع ما قاله في
هذا الخصوص و هو : «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى
أَنْزَلَ فِي الْقُرْآنِ تِبْيَانَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى وَ اللَّهِ مَا
تَرَكَ اللَّهُ شَيْئاً يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْعِبَادُ حَتَّى لَا يَسْتَطِيعَ
عَبْدٌ يَقُولُ لَوْ كَانَ هَذَا أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ- إِلَّا وَ قَدْ
أَنْزَلَهُ اللَّهُ فِيهِ»
و قال الإمام الباقر ع في روایة : « إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَمْ يَدَعْ شَيْئاً
يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأُمَّةُ إِلَّا أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ وَ بَيَّنَهُ
لِرَسُولِهِ ص وَ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ حَدّاً وَ جَعَلَ عَلَيْهِ دَلِيلًا
يَدُلُّ عَلَيْهِ وَ جَعَلَ عَلَى مَنْ تَعَدَّى ذَلِكَ الْحَدَّ حَدّاً. »
و یُروی عن الإمام الصادق ع قوله :« كتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَ خَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ
وَ فَصْلُ مَا بَيْنَكُمْ وَ نَحْنُ نَعْلَمُهُ. »
فلو إن سعینا لفهم الأیات في القرآن الكریم بكلّ دقّة ،
لوجدنا كلّ ما نبحث عنه ممّا یخصُّ الإنسان و سوف لا نبقی في حیرة و شكوك و لا أن
نبقی متحیِّرین في أیّة مرحلة و أيِّ عملٍ، بل و سوف نحصل علی كلّ ما یخصُّ حقوق
الإنسان من الآیات التي تخصّها في القرآن الكریم.
و بالتوجُّه إلی أنَّ في القرآن الكریم ذكرُ كلَّ الأمور
التي تخصُّ الإنسان و من كلّ الأبعاد علی إختلافها و فیه ذكر كلّ الحوائج
الحقیقیّة للإنسان، فنستطیع أن نستند علی الآیات التي فیه ، لِسَنّ القوانین
الإجتماعیّة ، و لكن هذه الأمور یجب أن تُجری من قبل المتخصِّصین
في تفسیر القرآن الكریم كمانری تحدید ذلك في قوله
تعالی: « وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ
إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ »
و كما تطرّقنا إلی الأمور المشتركة بین كلّ أفراد البشریّة
علی وجه البسیطة و أنّها لا تنحصر علی زمانٍ محدودٍ و علی قومٍ خاصّ ، بل إنَّ كلّ
هذه الحاجات یمكن أن تحصل في أيِّ زمانٍ و مكانٍ ما كان.
و ما لا شك فیه هو أنَّ من أراد التفسیر غیر الأئمّة
المعصومین من بعد الرسول الأكرم ص یمكن أن یقع في إشتباه و لا یمكن الإستناد علی
تفسیر من لم یستند علی الوحي. و لذلك یجب أن یسعی المتخصِّصین لإقتباس الأحكام لسن
مفردات القوانین لحقوق الإنسان من مصادر الوحي.
عسی أن یمُنَّ الله تبارك و تعالی علینا جمیعًا بالهدی و
العرفان و مراعاة حقوق الآخرین أیًّا ما كانوا و التوفیق لطاعته و التوجـُّه إلیه
جلَّ وعلا بقلبٍ سلیم ملیئٌ بالحبّ والإیمان به و العمل الصالح في سبیله عزّ و
جلّ.
والسلام
علیكم و رحمة الله و بركاته