صلاة الجمعة

الخطیب: مقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة الله
الدكتور رضا الرمضاني16.01.2015

                 بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد
لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في
أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
 

عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .

من الأمور المهمّة التي تخصُّ حقوق الإنسان و یجب أن ندرسها،
هي الأمورالتي یجب العمل بها و المحرّمات التي یجب التجنّب عنها لحفظ حقوق البشر. و في بدایة
الكلام أودُّ أن أذكرَ بعض العلماء الإسلامیّین مثل المرحوم النراقي الذي كان
یُعرِّف الأخلاق بأنّه « علمٌ لمعرفة الأخلاق والعلوم و الصفات الحسنة
المنجّیة و السیّئات المهلكة و هو الذي یُبَیِّن للإنسان كیفیّة التوسّم بالصفات
الحسنة المُنَجّیة التي تُحرِّر الإنسان من الصفات المُهلِكة » و
هنالك من العلماء الغربیّین مثل « ژكس » الذي یری أنّ « في علم الأخلاق التعالیم الضروریّة لتربیة الإنسان لكي یتصرَّف
وفقًا للواجبات »

و یعرِّف بعض المتخصِّصین بأنَّ الحقوق هي « مجموعة القواعد الإلزامیّة الحاكمة علی الإرتباطات بین أفراد
المجتمع » و لتبیین هذا التعبیر یُعَرُّفون « الحقوق بأنّها مجموعة القرارات التي تسیطر علی الأفراد الذین یعیشون في
المجتمع
» و
لذلك فمن الممكن أن نقول أنَّ الحقوق هي مجموعة القوانین التي تُنَظِّم أصول
الحیاة الإجتماعیّة و الإرتباطات بین الناس و بما أنّها هي القوانین السائدة ،
فیجب العمل بها و إجرائها.

رأینا في البحوث السابقة أنَّ حقوق الإنسان هي مجموعة من
القواعد و الضوابط و المقرّرات الإجتماعیّة التي تخصُّ الإنسان وعند مراعاتها
یتوصّل كلّ إنسان إلی تلبیة رغباته و نیال حقوقه مع حفظ كرامته الذاتیّة. و ما یجب أن نعلمه أیضًا هو أنَّ للأخلاق
إرتباطٌ عمیقٌ وثیقٌ بحقوق الإنسان كما نری شرح ذلك مثلاً من قِبَل بعض
المتخصِّصین مثل الأستاذ المشهور المتخصِّص في الحقوق « جورج رایپر» في كتابه الذي ألّفه تحت عنوان « القواعد الأخلاقیة في التعهُّدات المدنیّة » و
یؤكد فیه الإرتباط الوثیق بین الأخلاق و الحقوق. فلو إن تمعّننا في النصوص التي
تخصُّ هاذین الأمرین، لـَتَبَیَّنَ لنا عمق التوافق بینهما و نُشیرُ هنا فقط إلی
هذه الإتباطات و الإنسجامات بینهما.

إنَّ الكثیر من الأصول الأخلاقیّة تُعتَبَر أیضًا من
القواعد الأخلاقیّة التي فیها بیان السیّئ و الحسن منها ، مثل التعدّي علی حیاة
الآخرین و علی مالهم و عیالهم بأنّها هي من أبشع الجرائم و الرذائل الأخلاقیّة. أو
أنَّ الحسن منها هي أصول الوفاء بالعهد و تجنّب الإستیلاء علی الأمور أو الأموال
التي هي خلاف العدل.

كما و أنَّ بعض الأصول الأخلاقیّة لم تُذكـَر في بنود
القوانین علی الإطلاق و لكنّها تتواجد في الأمور الأخلاقیّة و یمكن متابعتها فیما
یخصُّ « الحقّ ». فنری مثلاً ما یخصُّ الكذب الذي هو مفتاح كلّ القبائح و الرذائل
كما نری بیان ذلك في أن «جُعِلَتِ‏ الْخَبَائِثُ‏
فِي‏ بَيْتٍ وَ جُعِلَ مِفْتَاحُهُ الْكَذِبُ» و لذلك فإنَّ الإنسان
الكاذب لیس له أِّیّةِ منزلةٍ إجتماعیّة كما و أنَّ الكذب یكون في الأنظمة
الحقوقیّة جرمٌ علی الإطلاق ، و خصوصًا حین یكون الشاهد كاذباً و یُقسِم بأنّه
صادقٌ. 

ففي
سبیل المثال نری أنَّ بعض القواعد الحقوقیّة التي تخصُّ أصول حَملِ و نقل الوسائل تظهر أن لا صلة لها بالأمور الأخلاقیّة و لكن حین نتمعّن فیها
بدقّة نری أنّها هي أیضًا تخضع للأصول الأخلاقیّة، إذ أنّها تجلب الخیر و السعادة
و تحقیق المنافع العمومیّة و هذه هي التي تكون أیضًا من الأصول الأخلاقیّة.

و
الجدیر بالقول هنا هو أیضًا أنَّ المصالح تكون في المجالات الأخلاقيّة ، التي
تخصُّ عامّة الناس من وجهة النظر الإسلامیّة و لذلك لها أهمّیّتها أیضًا في
الأخلاق و خصوصاً وفقاً لما جاء في القرآن الكریم فیما یخصُّ العفو والإیثار وحسن
المعاشرة مع الناس وحفظ الأمانات والصدق في القول والعمل وكون الإنسان ذو روحیة
ملیئة بالرغبة للتعاون مع الآخرین و مُشارِكتِهِم في حلّ مشاكلهم.

و الأمر الآخَر الذي یخصُّ الإرتباط بین الأخلاق و حقوق
الإنسان هو أنَّ التصرفات الأخلاقیّة تكون وفقًا لأصول حقوق الإنسان ولذلك فلو
أنَّ الإهتمام بالأمور الأخلاقیّة و التصرُّفات الحسنة ینتشر في المجتمع
الإنسانيّ، فسوف یتمُّ الإیفاء بكلّ المسائل الحقوقیّة بصورة صحیحة.        و ما لا شك فیه هو أنّنا لا یجوز أن نكتفي
بكسب العلم و التوسُّم بالأخلاق الحسنة، بل إنَّ العمل بالسلوك الحسنة و التهذیب و
تعلیم الأخلاق العملیّة كلّها من الأمور الضروریّة التي یجب العمل بها في
المجتمعات الإنسانیّة في عصرنا هذا. و بالرغم من كلّ ذلك فإنَّ المكارم الأخلاقیّة
كانت مرغوبة و ممدوحة في أيِّ عصرٍ و زمان ما كان و ذلك منذ بدوِ حیاة الإنسان في
كلّ مجالٍ و كلّ مسألةٍ سواءً إن كانت أمور فردیّة، شخصیّة أو إجتماعیّة ، سیاسیّة
أو ثقافیّة أو غیر ذلك. إنَّ ما یلفت الأنظار هو أنَّ ما تفتقده المجتمعات
الإنسانیّة في عصرنا هذا هي الأخلاق الدینیّة. إذ أنَّ الأخلاق الدینیّة تكون
مبنیّة علی الأسس الدینیّة التي توثِّق الإرتباط بین العبد و المولی العزیز القدیر
و عندئذٍ حین یتعمّق الإیمان بالله تبارك و تعالی في روحیّة الإنسان ، یذوق المؤمن
الصحیح طعم الحیاة الإنسانیّة الزكیّة.

و
خصوصًا في هذا العصر الذي نعیش فیه نحن ، فهو العصر الذي تتمُّ فیه الإرتباطات
المجازیّة و الإلكترونیّة ، فیمكن أن تؤثِّر كلّ هذه العوامل علی روحیّة الإنسان و
تجعله موجودًا راغبًا في المزید و الراحة و السیطرة و القدرة و
تبدیل كلّ شئ إلی الإباحة و وضع كلّ القیَم الأخلاقیّة و الإنسانیّة تحت أقدامه و
ذلك هو ما یسبِّب سحق حقوقه و حقوق الآخرین.  

نسأل الله تبارك و
تعالی أن یمُنَّ علینا جمیعًا بالهدی و العرفان و الأخلاق الحسنة
و مراعاة حقوق الآخرین أیًّا ما كانوا و التوفیق لطاعته و التوجُّه إلیه جلَّ وعلا
بقلبٍ سلیم ملیئٌ بالحبّ له و لعباده الصالحین والتعمُّق في الإیمان به و العمل
الصالح في سبیله عزّ و جلّ.

والسلام
علیكم و رحمة الله و بركاته

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment