صلاة الجمعة

الخطیب: مقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة الله
الدكتور رضا الرمضاني17.04.2015

                                                            بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد
لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في
أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
 

عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .

نستمرّ الیوم في كلامنا عن المواد المدوّنة في حقوق
الإنسان، فلنری ما جاء في المادّة الثالثة و هي التي فیها بیان أنَّ: « لكلّ إنسان
حق الحرّیّة و الأمنیّة الشخصیّة في الحیاة » فإنّنا نری أنَّ في هذه المادّة
ثلاثة أنواع من الحقوق التي هي حقّ الحیاة و حقّ الحرّیّة و حقّ الأمنیّة
الشخصيّة.

فما لاشك فیه هو أنَّ ما نراه بالنظرة الأوّلیّة هي أنّه
ما من أحدٍ له شكٌّ فیما یخصُّ صحّة هذه الحقوق، بل إنَّ في الإسلام الضمان
المُطلَق لكلِّ أنسان أن یكون له حقّ الحیاة و حقّ الحرّیّة و حقّ الأمان، و لكنَّ
السؤال الّذي یُطرح هنا هو: ما المقصود في نصّ قانون حقوق الإنسان من حقّ الحیاة،
هل إنَّ المقصود هو حقّ الحیاة المادّیّة أم هو حق الحیاة المعنویّة؟  

كما و أنَّ هنالك سؤال عن حقّ الحیاة للمجرم الذي قد
إعتدی علی حقّ الحیاة لفردٍ أو أو أفرادٍ آخرین و إرتكب جریمة القتل كما سوّلت ذلك
له نفسه إرتكاب تلك الجریمة. فهل یبقی لهذا الإنسان المجرم حقّ الحیاة مضمونًا؟ و
هل یبقی حقّ الحیاة له مضموناً بالرغم من سلبه و سحقه لحقّ حیاة الآخرین؟ إنَّ
الله تبارك و تعالی ضمن حقّ الحیاة لكلّ إنسان بما له أهمّیّته لدرجة عظیمة كما نری
بیان ذلك في قوله تعالی: «مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ
فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا»

إنَّ ما نراه في هذه الآیة الكریمة هو بیان أمرٍ مهمٌّ
جدًّ لدرجة بحیث لو أنَّ شخصًا تعدّی علی إنسانٍ آخَر و قتله عمدًا أو أراد أن یرتكب
جریمة كبری یسحق فیها الحقوق المعنویّة للكثیر من الناس و یُضَیِّعها من قبیل القیام
بعملٍ یؤدّي بالكثیر من الناس إلی أسفل الحالات الإجتماعیّة و أسوئها من قبیل بیع
الموادّ المُخدِّرة أو نشر ما یجرّهُم إلی الفساد أو أن یؤدّي بهم إلی أن یهجموا
علی أُناسٍ آخرین وینشروا الرعب والخوف والوحشة بین الناس، فإنَّ كلّ هذه الأعمال
هي جرائم كبیرة لاتُغتفر و خسائر إجتماعیّة لا یمكن غضّ النظر عنها بأيِّ وجهٍ ما
كان.   

و بالرغم من أنَّ هنالك من الناس من یسعونَ لضمان حقّ
الحیاة لأمثال هؤلاء المجرمین الذین سحقوا حق الحیاة للآخرین،  و لكنّ الحقیقة هي أنَّ هذه الإستدلالات لیست
منطقیّة و لا تتوافق مع العقل و من جهة أخری نری أنَّ العقلاء في العالم لا یرون  العدالة و لا الصلاح في مُعاقبة المجرم الذي
قتل أناسًا آخرین بمجرّد حكمه بالسجن لعدّة أعوام.    

و إنَّ ما لا شك فیه هو أنَّ هنالك إختلافات كثیرة بین
الذین یتشاركون في تدوین قوانین عقوبات المجرمین و ما لا یجوز غضّ النظر عنه هو
ضرورة، بل إنّه یجب مراعاة جمیع الحقوق المادّیّة و المعنویّة للإنسان و وضع
العقوبات الشدیدة لأولئك الذین یُسَبِّبون الخسائر و الفواجع البشیعة التي لاجبران
لها من قبیل قتل الأبریاء وإرتكاب الجرائم الأخری التي لاتتوافق مع الإنسانیّة.
فالأفراد الذين یقتلون أنسانًا تقسی قلوبهم و كلّما قتلوا أنسانًا آخرًا إشتدّت
القساوة في قلوبهم حتی تكون كالحجارة ، بل و أشدُّ قسوة.  فعلی أيِّ حال هنالك الكثیر من الأسئلة التي
تخصُّ تصرُّفات هؤلاء المجرمین الفاسدین الذین یكون وجودهم خطرٌ علی الأمن
الإجتماعيّ و لایجوز غضّ النظر عنهُم.

و الحقیقة هي أنَّ الفرد الذي من زمرة هؤلاء المجرمین لا
یمكن أن یُقال له أنّه إنسان فهؤلاء هم الذین یلوِّثون المجتمعات الإنسانیّة و ینشرون
القلق فیها و یُسبِّبون فقدان الأمن منها ، فیجب أن یُعاقَبوا بصورة تكون عبرة
للآخرین وتمنعهم من القیام بهذه الجرائم البشیعة التي یسحقون بها أولی و أعلی حقوق
الإنسان في حقّ الحیاة و الحرّیّة.

كما و یجب الوقوف أمام الأفراد الذین یعتدون علی الحیاة
المعنویّة للإنسان و یسلبون الأمن و السكینة من الناس في المجتمعات و ینشرون القلق
فیها، فیجب أن لا یتمّ التعامل معهم بالسهولة، بل یجب الوقوف أمامهم بكلّ جدٍّ و
عزم و منع القیام بتهدیداتهم و جرائمهم، إذ أنَّ الأزمة المعنویّة تؤدّي بالإنسان
إلی الأزمة الضعف في هوّیته الذاتیّة و ذلك ما یؤدّي بالنتیجة إلی الكئابة و القلق
في القلوب و لذلك نری في الآیة 28 من سورة البقرة في القرآن الكریم في قوله تعالی:
« وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ . . » 
و في هذه الآیة بیانُ أنَّ الناس كانوا أمواتًا ثمّ أحیاهم الله تبارك و
تعالی و الإحیاء المذكور هنا هو الإحیاء المادّيّ و الإحیاء المعنويّ من بعد الموت
الطبیعيّ في الدنیا.

و ما نراه في القرآن الكریم هو أنَّ التعدّي و القضاء علی
الحیاة المادّیّةَ أو المعنویّة ممنوعٌ جدًّا سواءًا إن كان التعدّي من الآخرین أو
إن كان من النفس بذاتها، إذ أنَّ الله تبارك و تعالی قد تفضّل علی الإنسان بالحیاة
ولذلك فأن حفظ حرمة الحیاة من الواجبات العظمی التي هي علی عاتق الإنسان و لا یجوز
التعدّي علیها. و لذلك فإنَّ الإنتحار ممنوعٌ في الإسلام بكلّ شدّة و لا یجوز
لأيِّ إنسانٍ أن ینتحر أیًّا ما كانت ظروفه و حالاته النفسیّة.

و من إحدی الوثاق التي أخذها الله تبارك و تعالی من «بني
إسرائیل» هي التمسُّك بعدم سفك الدماء كما نری بیان ذلك في الآیة 84 من سورة
البقرة في قوله تعالی: « وَ إِذْ أَخَذْنا ميثاقَكمْ
لاتَسْفِكونَ دِماءَكمْ وَ لاتُخْرِجُونَ أَنْفُسَكمْ مِنْ دِيارِكمْ »

و لیس هذا المیثاق منحصرٌ لبني إسرائیل فقط، بل إنّه یتواجد
في جمیع الشرائع الدینیّة السماویّة، كما نری بیان ذلك في البیان الذي بلّغه الله
تبارك و تعالی لرسول الرحمة و الرأفة المصطفی الأمجد أبوا القاسم محمّد ص في الآیة
151 من سورة الأنعام في قوله تعالی: « قُلْ تَعالَوْا
أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكمْ عَلَيْكمْ أَلاَّ تُشْرِكوا بِهِ شَيْئاً وَ
بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ
نَرْزُقُكمْ وَ إِيَّاهُمْ وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما
بَطَنَ وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتي‏ حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ
ذلِكمْ وَصَّاكمْ بِهِ لَعَلَّكمْ تَعْقِلُونَ »       

كما ونری في العدید من الآیات الأخری التهدید الشدید
بالعذاب العظیم في جهنّم للذین یقضون علی حیاة الآخرین في الآیة 93 من سورة النساء
في قوله تعالی : « وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً
مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ
وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظيماً »

و هكذا نری ما جاء في القرآن الكریم من التهدید بأشدّ
العقوبات للذین یرتكبون جریمة القتل و سلب الحیاة المادّیّة و المعنویّة من الآخرین.
فإنَّ في الإسلام وجوب الدفاع المطلق عن حیاة الإنسان كما و فیه العقوبات الشدیدة
في الدنیا و الآخرة للذین یتعدّون علی حیاة الآخرین ولذلك
فإن الإنسان العاقل الواعي یحفظ حرمة الآخرین بكلّ دقّة و شدّة و لایتعدّی تلک
الحدود أبدًا.

نسأل الله تبارك و تعالی أن یمُنَّ علینا جمیعًا بالهدی
والعرفان والأخلاق الحسنة ومراعاة حقوق الآخرین أیًّا ما كانوا و التوفیق لطاعته و التوجُّه إلیه جلَّ وعلا بقلبٍ سلیم ملیئٌ بالحبّ له و
لعباده الصالحین والتعمُّق في الإیمان به و العمل الصالح في سبیله عزّوجلّ.

                                                                        

                                                                            
                                 والسلام
علیكم و رحمة الله و بركاته

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment