صلاة الجمعة

الخطیب: مقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة
الله الدكتور رضا الرمضاني

14.08.2015 بسم
الله الرحمن الرحیم

الحمد
لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في
أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.  

عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه.

تكلّمنا في الخطبة الماضیة عن
بعض الأمور التي لم تكن مذكورة في إعلامیّة حقوق الإنسان و من جملة النواقص في نصوص هذه الإعلامیّة، هي أن لیس في الكثیر منها ما هو ضروريٌّ من الإنسجام بین البنود، بل وكما یظهرهنالك النقیض في البعض منها.

فنری في سبیل المثال في البند
الثالث من المادّة ـ 26 ستة و عشرین ـ أنَّ الوالدین لهم الأولیّة علی
الآخرین في تربیة أولادهم و بناتهم و إنتخاب نوع التعلیم لهُم. و لكن هنالك في
البند الأوّل الإجبار الصریح لإرسالهم للمرحلة الأولی من التعلیم و هي مرحلة
المدرسة الإبتدائیّة. و لذلك فلو إن أراد الوالدین أن یتعلّم إبنهم أیّة حرفةٍ
مّا، و ذلك منذ بدو العام السادس أو السابع من العمره فهل یحقُّ لهم ذلك أم لا؟
إنَّ في البند الثالث بیانٌ إیجابيّ في حین أنَّ ذلك ما لیس مسموحٌ به في البند
الأوّل. فمن الظاهر أنَّ هنالك تناقُضٍ بین هذین البندین، إلّا إن كان هنالك
توضیحٌ یخصُّ ذلك.  

و من جملة هذه النقائض هي ما نراها
بین المادّة الثالثة و المادّة الثامنة عشر، إذ أنَّ المادّة الثالثة فیها التأكید
علی حقّ الحیاة الذي هو مضمونٌ بلا أيِّ قیدٍ وشرط ، و لكنّنا نری في المادّة
الثامنة عشر حقّ حرّیّة الفكر و الوجدان و المذهب بصراحة ولذلك فلو إن كان في
قانونٍ ما أو بعض التقالید مثل التقالید الهندوئیّة فیما یخصُّ التضحیة ، فلا یجوز
ذلك وفقًا للمادّة الثالثة. و لهذا هنالك أیضًا نقائض فیها، إلّا إن كان هنالك توضیحٌ یخصُّ ذلك.

فعلی أيِّ حال یجب أن لا تكون
هنالك نقائض بین بنود القوانین، و لذلك یجب أن یتمُّ الإستناد علی مصادر الوحي
في سنّ القوانین للمجتمعات البشریّة ، إذ أنَّ مصادر الوحي تشمل كلّ الحقوق و
الكرامة الإنسانیّة في أيِّ حالٍ من الأحوال و في أيِّ شرطٍ ما كان و لا تتواجد
فیها أِّیّة نقائض و مَضادّ. و هذا ما نراه بوضوح في القرآن الكریم فیما یخصُّ
الأحكام و التعالیم التي فیه ، فلو إنّها لم تكن من الله تبارك و تعالی ، لكان
فیها إختلافات كثیرة كما نری بیان ذلك في قوله تعالی :

« أفَلا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِاللَّهِ لَوَجَدُوا
فيهِ اخْتِلافاً كَثيراً » و حتّی لو إن إجتمع
الجنّ و الإنس لما إستطاعوا أن یأتوا حتّی ولو بأیة مثله كما نری بیان ذلك في قوله
تعالی: « قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ وَ
الْجِنُّ عَلى‏ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لايَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ
لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهيراً » و في آیه أخری: « وَ إِنْ كُنْتُمْ في‏ رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى‏ عَبْدِنا
فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ
إِنْ كُنْتُمْ صادِقين » .  

 والنقیضة الأخری
في هذه الإعلامیّة هي أنَّ الموادّ المذكورة فیها تُبَیِّن حقوق الإنسان وحرّیّاته
و لكن لیس هنالك أيِّ بیان للواجبات و التكالیف التي علی عاتق الإنسان فما لا شك
فیه هو أنَّهُ أین ما دارت الحیاة الإجتماعیّة للفرد أو الجمع و تبیّن فیها الحقوق
التي یتمتّع بها الفرد الذي یعیش فیها، یجب أن تكون أیضًا هنالك واجبات علی عاتق
الآخرین، فلا یمكن أن یتمَّ سَنّ القوانین الحقوقیّة لكلّ البشریّة لضمان حقوقهم،
من دون أن تُذكر هاتین الوجهتین اللتَین هي الحقوق و التكالیف جنبًا إلی جنب. و ما
لاشك فیه هو أنّه لایمكن الإكتفاء بذكر الأمور الجزئیّة في نصوص القوانین التي قد تمَّ تسنینها لتشمل كلّ العالم.

و مایلفت الأنظار هو عدم شفّافیّة بعض البنود المذكورة
في هذه الإعلامیّة من قبیل المادّة ـ 17 ـ السابعة عشر التي تعیِّن حق المالكیّة للشخص من دون ذكر التصرُّفات
الضروریّة للحكومات و توضیح مستنداتها من قبیل سحب العوارض و المالیّات من أموال
الأشخاص بصورة إجباریّة.

ولیس الكلام هنا عن أنَّ الحكومات یحقُّ لها كسب الأموال
لسدّ تكالیف الخدمات العمومیّة و أيٍّ من الخدمات الأخری التي تُقدِّمها للناس، و
لكنّ الكلام هنا هوعدم شفافیّة البنود التي تخصُّ هذه المسائل المهمّة. و ما لاشك
فیه هو أنَّ في الإسلام التأكید الحثیث علی الحق المشروع للمالكیّة الشخصیّة و
مشروعیّة أخذ المالیّات التي تأخذها الحكومات من الأفراد.

 و ما نراه هنا
هو أنَّ مجموعة هذه النواقص المذكورة لیست كلّ النواقص، بل و من الممكن أن تكون
هنالك الكثیر من النواقص الأخری التي لم نتطرّق لها، و التي تدلُّ علی أنَّ هذه
الإعلامیّة لا یمكن أن تكون كاملة مفیدة لشمول العالم بأجمعه و لکلّ عصرٍ و زمان و
أن تكون حافظة لحقوق كلّ الأفراد في كلّ المجتمعات الإنسانیّة، و خصوصًا حین ننظر
إلی الإختلافات الشدیدة التي هي بین الرسوم و التقالید في مختلف الحضارات التي لا
یمكن أن یُغَضُّ النظر عنها.

و كنّ ما نراه هو أنَّ تواجد العدید من الأدیان و
الحضارات المختلفة علی وجه البسیطة یمكن التوصُّل 
إلی حمایة حقوق الإنسان لكلّ الناس، فلو إنّنا نعمل وفقًا لما نعلمه بأنَّ
الإسلام هو دینٌ عالميٌّ ـ كما جاء ذكره في القرآن الكریم ـ فیجب أن یكون تعامُل
الناس كلُّهُم بالإحترام المتقابل و أیًّا ما كان دینُهُم و خصوصًا أولئك الذین
ینتمون إلی الأدیان الإلهیّة و حتّی الذین ینتمون إلی العقائد البشریّة و حتّی الذین
لا ینتمون إلی أيِّ دین. 

ولذلك فلو إن كان العقلاء في المجتمعات البشریّة في صدد
نیال مثل هذا القانون، یجب أن یقبلوا أنَّ حقّ سَنّ القوانین البشریّة هي بید الله
تبارك و تعالی إذ أنّه هو الذي خلق الإنسان و هو خیر عالمٍ به و لیستندوا في سنّ
القوانین علی الوحي المبنيّ علی أساس العدالة و المعنویّة و الأمنیّة و العقلانیّة
و الحكمة الإلهیّة و محور رحمته جلّ و علا.

 فالواضح جدًّا
هو أنَّ حقوق الناس یجب أن تكون مُسَنّنة و مبنیّة علی أساس الكرامة الإنسانیّة و
ضمان لكلّ حقوقه المعنویّة والمادّیّة و یجب أن لا یتمّ تحریف بحقوق الإنسان
بالدلائل الجعلیّة و الحوائج الكاذبة، بل یجب أن یكون سَنِّ هذه القوانین مبنیّة
علی أساس المعارف الإنسانیّة. و ما لا شك فیه هو أنّه یمكن أن تُسَنُّن بعض
القوانین التي لیست منطقیّة بالإنخداع ببعض الظواهر الجمیلة و المبهمة و السعي
لتدوین القوانین التي تجعل التفسیر الغیر منطقيّ و الغیر حقیقيّ للإنسان.

وما هو أهمّ من تدوین القوانین هو أنّه یجب إتِّباع
الأسالیب الصحیحة لتسنین القوانین التي ینال بها كلّ إنسان حقوقه و أن یعیش الجمیع
في الكرامة الحقیقیّة للإنسان و في نطاق المُثُل العلیا في الإسلام.  إنّ كلّ العقلاء في العالم یجب أن یعملوا بما
یعیدون به الإنسان إلی الحیاة في عِزٍّ و كرامة و یجب إبعاد كلّ ظلمٍ و عنف و
التوجُّه إلی جوهرة الدین و الأخلاق الحسنة لضمان الحیاة في أمنٍ و رغد و سعادة في
الدنیا و الفوز بالجنّة في الآخرة و ذلك بناءًا علی أساس حاكمیّة الحقّ و تدوین
كلّ ذلك للعمل به. و عندئذٍ سوف یكون نظام التربیة و التعلیم للإنسان مبنیًّا علی
أساس فطرة الله التي فطر الإنسان علیها تبارك 
و تعالی و خصوصًا یجب الإهتمام بما یخصُّ الشباب لكي یعرفوا هوّیّتهم
الحقیقیّة و لیسیروا بها في سبیل الهدی. وكذلك الأمر في ما یخصُّ معرفة الإنسان
لنفسه و الإعتماد علیها لتكون المجتمعات متألِّفة من أفراد نشیطین في الأعمال
الحسنة و لإنتشار المعنویّات في المجتمعات الإنسانیّة. و بهذا سوف تبتعد كلّ
الكدورات و القسوات في القلوب و بها یكون كلّ الناس متفتِّحین خلوقین و یستعملون
إستعداداتهم بأحسن ما یكون و هکذا یذوق الناس طعم الجنّة في الدنیا.

نرجو الله تبارك وتعالی أن یمنّ
علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة الإسلامیّة ونسأله جلَّ وعلا أن یُوَفِّقنا للتعمُّق في خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و لأولیائه علی عتبة
رحمته و أن نكون خَلوقین محسنین تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و نشكره علی
كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نهتمّ بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل الرشاد والعمل
الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.والسلام علیكم و رحمة الله وبركاته  

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment