صلاة الجمعة

الخطیب: مقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة
الله الدكتور رضا الرمضاني

18.09.2015 بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمين نحمده و به نستعین و الحمد لله الذی لا مُضادّ له
في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شَبيهَ
لَهُ في عَظَمَتِه جزء من دعاء الإفتتاح وَالصَلاة والسلام عَلی سَيّدنا
وَنَبيّنا مُحَمَّدٌ صَلّی اللهُ عَليهِ وَعَلی آلِهِ الطاهرين وَأصحابِهِ المُنتَجَبين
من الآن إلی قیام یوم الدین. 

     عبادالله ! أُوصيكُم وَ نَفسِي بِتَقوی الله
وَ إتِّباعِ أمرِهِ وَ نَهیِه ، فإنَّ خیر الزاد التقوی.

 إنّنا نأتي الیوم إلی ختام كلامنا عن حقوق
الإنسان، و لذلك فلا بأس بأن نتطرّق إلی « رسالة
الحقوق ـ للإمام السجّاد ع » لكي تتوضّح لنا الأحكام الحقوقیّة في الإسلام.
إنّنا نستغني عن البحث حول صحّة الأسناد التي تكون هذه المضامین المذكورة فيها،
فإنّها مدوّنة في الكثیر من الكتب التي لا شك في إعتبارها و إستنادها حتي و لا لمقدار
شعرة و هي التي فیها الكثیر من الأحادیث و من جملة هذه المصادر هي كتاب « تُحَفِ
العُقول » و نری فیه ذكر الأكثر من «خمسین بند لحقوق الإنسان»، ولكلٍّ
من هذه البنود دورها المهمّ الذي لا بدیل له في الأمور الأخلاقیّة و المعنویّة في
حیاة الإنسان و تصرُّفاته.

إنَّ أوّل
الحقوق المذكورة في  كتاب « رسالة
الحقوق » هو الحقّ الأولی و الأكبر للباري جلّ و علا علی الإنسان و نصّ الخطاب
الذي وجّهَهُ للإنسان هو: « حَقُّ اللَّهِ الْأَكْبَرُ عَلَيْكَ أَنْ تَعْبُدَهُ وَ لَا
تُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ بِإِخْلَاصٍ جَعَلَ لَكَ عَلَى
نَفْسِهِ أَنْ يَكْفِيَكَ أَمْرَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ »

و للمزید
من التوضیح لهذا الحقّ هو أنَّ أولی الرسائل التي بُعِثَ بها الأنبیاء و المرسلین
لإبلاغها إلی الناس هو عبادة بارئ الخلائق أجمعین و الإبتعاد عن أيِّ نوعٍ من
الطغیان و المساوئ كما نری بیان ذلك في الآیة الشریفة في قوله تعالی: « وَ لَقَدْ
بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ اجْتَنِبُوا
الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ
الضَّلاَلَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
الْمُكَذِّبِينَ «

 فما لا شك فیه
هو أنَّ عبادة المولی العزیز القدیر جزء لا بدیل له یحسُّ به الإنسان في فطرته
فإنَّ « كُلُّ
مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ » و هذه الفطرة هي من أزكی و أقدس
الرغبات في خِلقَة الإنسان ویحسُّ فیها الإنسان بالرغبة للقیام بها من بدو الولادة
و الطفولة إلی نهایة العمر. و لكن و مع الأسف الشدید نری أنَّ الكثیر من الناس من
هُم مُنشغلون بالأمور الدنیویّة و ذلك بما یجرُّهُم إلی كسوِ هذه النعمة الإلهیّة
العظیمة في نفسیّتهم بالغبار و نسیان خالقهم تبارك و تعالی و رُسُلِهِ و كُتُبِهِ
و إنكارها و نسیانها.

 فحین
یتواجه الإنسان مع المشاكل و المعاضل في حیاته و یقع في الیأس من كلّ المزایا
الدنیویّة، یحسُّ في نفسه التوجُّه إلی حقّانیة ربّ العالمین تبارك و تعالی.  

فعلی أيِّ حال إنَّ الوفاء
بعهد الفطرة التي لها دورها المهمّ لتمتُّع الإنسان بها في الحیاة الدنیا بسعادة و
رغد، هي من إحدی العوامل لرسالة الأنبیاء و المرسلین، كما نری بیان ذلك في قول
أمیر المؤمنین في قوله ع :    « فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ وَ وَاتَرَ إِلَيْهِمْ
أَنْبِيَاءَهُ لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ »  

 

و من جهة أخری نری أنَّ الفطرة هي من أهمّ
الدلائل لکلّ إنسان علی أنَّ الله تبارک و تعالی هو الواجد الماجد الذي خلق
الکائنات و أنَّها هي التي تکون من أهمّ الدوافع للأنسان الذي یسعی للتقرُّب إلیه
جلّ و علا. و قد جاء في روایة أنَّ أحدٌ جاء إلی الإمام الصادق ع و أظهر شغفه و
دهشته فیما یخصُّ معرفة المولی العزیز القدیر قائلاً: إنّني جادلت الکثیر من الناس
و لکن لم یستطیع أيِّ أحدٍ أن یخرجني من حیرتي!

فسأله الإمام الصادق ع قائلاً: یا عبد
الله هل رکبت في باخرة؟ قال نعم. فسأله ع هل تعرّضت للغرق بالباخرة ؟ قال نعم.
فأجابه ع قائلاً: هل إنّکحین یإست من أيّةِ معونة من الناس الآخرین، ألم تتوجّه
في أعماق قلبک إلی قدرة تنجّیک من الغرق؟ قال نعم. فقال له ع إنَّ تلک القدرة
المطلقة هي الله تبارک و تعالی.

لقد بیّن الإمام السجّاد ع في تعبیر قصیر
ذو عمقٍ شدید فیما یخصُّ الله تبارک و تعالی بأنَّ حقّ الله جلّ و علا هو أمرٌ
فطريٌّ في قوله ع ما محتواه : « یجب أن تعبده و لا تشرک به شیئًا! إنَّ العبودیّة
هي أن یری الإنسان أنّه ذلیلٌ في نهایة الصِّغَر و العبادة هي ما تخصُّ المولی
العزیز القدیر الذي هو أعلی الکمال و ذو أجمل صفات الجمال و الجلال و هي ما تخصّ
الله عزّ و جلّ فقط له و لا لغیره.

فبنناءًا علی ذلک نری ما قاله سبحانه و
تعالی في خطابه إلی العبد في نحکم کتبه المبین : « فَاعْبُدْنِي وَ أَقِمِ
الصَّلاَةَ لِذِكْرِي» و جاء في آیة أخری في قوله تعالی : « وَ مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ »
و في سورة أخری قال جلّ و علا في خطابه للناس: « یا
أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ »     إنَّ في الأصول الإسلامیّة یکون کلّ ما هو یخصُّ
الإرتباط المعنويّ به جلّ و علا یکون عبادة! بدایة من المعرفة به تبارک وتعالی و
الشکر لأنعُمِهِ و ألطافِهِ التي لا حدّ و لا حدود لها و الدعاء و المناجاة و
الصلاة التي هي من أجمع و أوسع العبادات، فکلّها تکون جزءًا من العبادات.

و ما نراه في التعالیم الإسلامیّة هي أنَّ الإنسان یجب
علیه أن یسعی لتکون کلّ مساعیه و نشاطاته و سَکناتِهِ جزءًا من العبادات و أن لا
تنحصر فقط علی الصلاة و الصیام و الصدقات و الخدمات التي یُقدِّمها للناس، بل و
حتّی النظر إلی العالِم الحقیقيّ و الإمام العادل أو الأب أو الأمّ هي من العبادات
کما نری بیان ذلک في الحدیث النبويّ الشریف في قوله ص : «النَّظَرُ إِلَى الْعَالِمِ عِبَادَةٌ، وَ النَّظَرُ إِلَى
الْإِمَامِ الْمُقْسِطِ عِبَادَةٌ، وَ النَّظَرُ إِلَى الْوَالِدَيْنِ بِرَأْفَةٍ
وَ رَحْمَةٍ عِبَادَةٌ، وَ النَّظَرُ إِلَى أَخٍ تَوَدُّهُ فِي اللَّهِ عِبَادَةٌ».

فالمُهِمّ هو
أنَّ علی الإنسان أن یعبُد الله تبارک و تعالی بالمعرفة و الیقین و أن لا ینحرف عن
سبیل الإعتدال و الرشاد و أن یکون له النشاط الحثیث في العبادة، لیحسَّ بالآثار
المعنویّة في جمیع حالات الحیاة لکي ینال التوفیق لما یتقرّب به إلی إلباري جلّ و
علا. 

    نرجو الله تبارك و تعالی
أن یمنّ علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة الإسلامیّة ونسأله جلَّ وعلا أن یُوَفِّقنا للتعمُّق في
خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و
لأولیائه علی عتبة رحمته و أن نكون خَلوقین محسنین تجاه الآخرین من عباده و أن
نحمده و نشكره علی كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نهتمّ بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة
سبیل الرشاد والعمل الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ
النِّعَم.

                                                                              
آمین یا ربِّ العالمین

                                                                            
والسلام
علیكم و رحمة الله وبركاته 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment