بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و
الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی
لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه جزء من دعاء الإفتتاح وصلّی
الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه
المنتجبين.

 عبادالله ! أُوصيكم و نفسي
بتقوی الله و اتّباع امره و نهيه.

الموضوع: أوصاف المتّقين 15

الفضیلة
الثانية عشر: عدم الاهتمام بالبدن

– “أَجْسَادُهُمْ
نَحِيفَةٌ”.

إنّ ما يبيّنه أمير المؤمنين ع من
نحافة الجسد ويعدّه من فضائل المتقين ليس بمعنى عجزهم وضعفهم. ويقول أمير المؤمنين
ع في كلام آخر عندما يبيّن أوصاف الأخ فِي اللّه “وَكَانَ ضَعِيفاً
مُسْتَضْعَفاً”, ولكن يكمل كلامه ويقول “فَإِنْ جَاءَ الْجِدُّ
فَهُوَ لَيْثُ غَابٍ وَصِلُّ وَادٍ”. فالعجز والضعف ليس فضيلة تُذكر حتّى
يقف عندها أمير المؤمنين ع وينعت بها أهل التقوى. يقول النبي الأكرم ص :  “المؤمن القوي خیر وأحب إلی الله من
المؤمن الضعیف”.

طبعا العجز المالي والجسدي أحياناً
يُعدّ نعمة من جهة أنّ الشخص ليس لديه القدرة على ظلم الآخرين وسلبهم حقوقهم.

نعم, إنّ عدم قدرة الناس على الظلم نعمة
تُشكر, ولكن ليست فضيلة. فالذي لا يبصر لديه هذه النعمة من أنّه لا ينظر
نظرا محرّماً لعدم إمكان ذلك له, أو الأخرس لديه هذه النعمة أنّه لا يرتكب ذنباً
بلسانه لعدم مقدرته على ذلك, ولكن هذا ليس فضيلة. أمّا الذي لديه عين يبصر بها
ولكن يعف بصره عن النظر المحرم, أو القادر على التكلم ولا يكذب ولا يغتاب ولا يأتي
بسائر ذنوب اللسان, فهذا يكون فضيلة. وعلى حدّ قول الشهيد مطهري “إنّ عدم
مقدرتك على الأذية ليس مهارة, بل المهارة في أن تكون قادراً ولا تؤذي. وهذا لسان
المسلم أنّي قادر ولكن لا أؤذي”[1]. 

وعليه فأمير المؤمنين ع كان في مقام
بيان فضائل أهل التقوى, وبالتالي لا ينبغي حمل معنى نحيف على العجز وعدم
المقدرة. كما لا ينبغي فهمها على أساس عدم السمنة, لأنّ السمنة وعدمها لا يُعدّ
أيّ منها على أنّه فضيلة أو رذيلة.

والمعنى الصحيح للنحافة في كلام أمير
المؤمنين ع والضعف في كلام آخر له يكون في أنّ كلاهما في مقام بيان الفضيلة,
ويجب حمله على معنى عدم الاهتمام المذموم بالبدن. ذلك أنّ الاهتمام بالبدن ينقسم
إلى قسمين: ممدوح ومذموم.

الاهتمام الممدوح بالبدن

إنّ تنمية قوى الجسد بالرياضة
والمسابقات الرياضية من الأمور التي حظيت باهتمام وتأكيد كبير في الإسلام, وقد
اختصّت ببحث مستقل في الكتب الفقهية. يُنقل عن الإمام الصادق ع أنّه ذكر في خصوص
المسابقات الرياضية التي كانت تجري في محضر رسول الله ص وحظيت بتشجيع منه: “إن
رسول الله سابق بین الخیل وأعطی السوابق من عنده”.

كما ولا يرتضي أمير المؤمنين ع إجهاد
الجسد عندما يقول: “إن نفسک مطیتک إن أجهدتها قتلتها وإن رفقت بها أبقیتها”.

الاهتمام المذموم بالبدن

يُطلق اصطلاح الاهتمام بالبدن عادة على
هذا القسم. فالاعتناء بتربية الجسد وعدم تحمل المشقات اللازمة من أجل الوصول إلى
الأهداف السامية والسعادة تُعدّ من مظاهر الاهتمام المذموم بالبدن.

هذا وقد أظهر الرسول الأكرم ص القلق
والحسرة على أمّة الإسلام في حديثه عن هذا القسم من الاهتمام بالبدن وذلك ضمن هذه
الأمور التي عدّدها وذكرها:

– “ثَلاثٌ أَخَافُهُنَّ عَلَى
أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي الضَّلالَةُ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ وَمَضَلاَّتُ الْفِتَنِ
وَشَهْوَةُ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ”[2].

– “أَكْثَرُ مَا تَلِجُ بِهِ
أُمَّتِي النَّارَ الجْوَفَانِ الْبَطْنُ وَالْفَرْجُ”[3].

والحمد الله رب العالمين

 

 

[1] مرتضی المطهري؛ فلسفه أخلاق؛ ص
149-150.

[2] الکافي:ج2، ص79.

[3]
الکافي:ج2، ص64.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment