صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

 سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين.

 عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهيه.

الموضوع: أوصاف المتّقین (28)

الفضیلة الخامسة والعشرون: نبذ التملّق

– “إِذَا زُكِّيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ، خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَهُ، فَيَقُولُ أَنَا أعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي وَ رَبِّي أَعْلَمُ بِي مِنِّي بِنَفْسِي، اللَّهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ وَ اجْعَلْنِي أَفْضَلَ مِمَّا يَظُنُّونَ وَ اغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ“.

يُعدّ التملّق والمداهنة واحداً من الآفات والابتلاءات الاجتماعية. كما أنّ المديح بحق يستتبع آثاراً سلبية على الصعيد النفسي للإنسان, فكيف بالتملق والمداهنة المنطوي على الامتداح بغير الحق. هذا والنفس الإنسانية تفرح بالمديح عادة. ويحصل أن ينفق أشخاص كثر من مالهم الخاص حتّى يحظوا بامتداح الآخرين لهم. وقد شهدنا على طول التاريخ استخدام الكثير من الشعراء لأشعارهم من أجل إعلاء شأنهم ونيل الهدايا والجوائز من خلالها.

إنّ الذي يلهج بالتملّق هو إنسان ضعيف النفس ومريض, ومن يرضى بالتملق ويطمع بالهدية يكون حقيراً وأنانيّاً. يأمر الرسول الأكرم (ص) أن يُحثى التراب بوجه المتملق ويُبتعد عنه. فقد جاء في صحيح مسلم:

– “أَنَّ رَجُلاً جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمَانَ فَعَمِدَ الْمِقْدَادُ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ -وَكَانَ رَجُلاً ضَخْمًا- فَجَعَلَ يَحْثُو فِي وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ»[1].  

إنّ الذي يأنس بسماع التملّق ويُشجّع المتملقين, سيقع شيئاً فشيئاً في معرض التفرعن والعجب بالنفس وسيتبدّل بشكلٍ تلقائي إلى فرعون. وطالما القوّة والجمال موجودان سيبقى التملّق موجود.

إنّ أمير المؤمنين (ع) يريد من الولاة تحت إمرته أن لا يقعوا في شباك التملق, ويطلب منهم أن لا يخال لهم أنّه يقبل بالتملّق. يقول عليه السلام:  

– “إِنَّ مِنْ أَسْخَفِ حَالَاتِ الْوُلَاةِ عِنْدَ صَالِحِ النَّاسِ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ حُبُّ الْفَخْرِ وَيُوضَعَ أَمْرُهُمْ عَلَى الْكِبْرِ وَقَدْ كَرِهْتُ أَنْ يَكُونَ جَالَ فِي ظَنِّكُمْ أَنِّي أُحِبُّ الْإِطْرَاءَ وَاسْتِمَاعَ الثَّنَاءِ وَلَسْتُ بِحَمْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ[2].

وعليه فكثير من المتملقين لا يُصدّقون ما يقولونه حقيقة, بل يقبلون بالمديح والاطراء الكاذب فقط من أجل إسعاد الشخص صاحب القوة والثروة. فمن يهمّه أمر الإنسان حقيقة لا بُدّ له أن يُذكّره بعيوبه ونواقصه بدل إطرائه بالمديح والثناء الكاذب حتّى يتمكّن من الوصول للكمال أكثر بتخلصه من هذه العيوب. يُريد أمير المؤمنين (ع) من الناس الموجودين في حكومته أن لا يُكلموه كما يُكلموا الطغاة, ولا يتملقوا ولا يُداهنوا في حديثهم معه, ولا يعمدوا إلى إخفاء حقائق أمور المجتمع عنه:

– “فَلَا تُكَلِّمُونِي بِمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ وَلَا تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ وَلَا تُخَالِطُونِي بِالْمُصَانَعَةِ وَلَا تَظُنُّوا بِي اسْتِثْقَالًا فِي حَقٍّ قِيلَ لِي وَلَا الْتِمَاسَ إِعْظَامٍ لِنَفْسِي[3].

وبالعودة إلى خطبة المتقين, فإنّ المتقين يقلقون عند سماعهم للتملّق حتّى لا يقعوا في شراك فرعنة النفس: إِذَا زُكِّيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ، خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَهُ، لذلك يُذكرون أنفسهم في بادئ الأمر بعدم الانخداع بالتملق, لأنّهم أعلم بحال أنفسهم من أيّ شخص آخر: فَيَقُولُ أَنَا أعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي، والله أعلم بأنفسهم منهم: وَ رَبِّي أَعْلَمُ بِي مِنِّي بِنَفْسِي، ثمّ يلتجأون إلى الله ويطلبون منه ثلاثة أمور:

1. أن لا يُؤاخذهم الله بما قيل في حقهم من تملّق: اللَّهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ.

2. أن يُعطيهم الله مقاماً أعلى مما طلبه المتملق لهم : اجْعَلْنِي أَفْضَلَ مِمَّا يَظُنُّونَ.

3. أن يغفر الله معاصيهم التي يجهلها المتملق عنهم: اغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ.

والحمد الله ربّ العالمين


[1]  صحیح مسلم، الحديث ‏5434‏.

[2]  نهج البلاغة، الخطبة 216.

[3]  نهج البلاغة، الخطبة 216.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment