صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين.

 عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهيه.

الموضوع:  أوصاف المتّقین (40)

العلامة الثانية عشر للمتقین:

– “وَتَحَرُّجاً عَنْ طَمَعٍ“.

   التحرُّج على وزن تفعُّل, ويرجع إلى مادة (حرج) بمعنى البعد عن الضيق وتجنّب الإثم[1]. وبالعودة إلى هذه العبارة التي وردت في خطبة همّام ولأنّ الكلام عن الطمع يأتي التحرّج هنا بمعنى الابتعاد عن الطمع. فالمتّقون لا يقعون فريسة للطمع ولا يلوثون أنفسهم بذلك. يقول أمير المؤمنين (ع): “أَزْرَى‏ بِنَفْسِهِ‏ مَنِ اسْتَشْعَرَ الطَّمَعَ”[2].

   وعن أبان بن سويد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت: ما الذي يثبت الإيمان في العبد ؟ قال: “الَّذِي يُثْبِتُهُ فِيهِ الْوَرَعُ وَالَّذِي يُخْرِجُهُ مِنْهُ الطَّمَعُ[3].

   إنّ خروج الإيمان من الإنسان يعني الوصول إلى حالة تستوجب الوقوع في أيّ خطأ ومعصية يمكن أن لا تُغفر أبداً, وبالتالي يمكن أن يضلّ الشخص طريق الغفران والعودة. يقول أمير المؤمنين (ع): “تَفَضَّلْ عَلَى مَنْ شِئْتَ فَأَنْتَ أَمِيرُهُ وَاسْتَغْنِ عَمَّنْ شِئْتَ فَأَنْتَ نَظِيرُهُ وَافْتَقِرْ إِلَى مَنْ شِئْتَ فَأَنْتَ أَسِيرُهُ وَالطَّمِعُ مَنْزُوعٌ عَنْهُ الْإِيمَانُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ لِأَنَّ الْإِيمَانَ يَحْجُبُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الطَّمَعِ مِنَ الْخَلْقِ[4].

   وهنا ولكي نبقى آمنين من شرّ الطمع ومفاسده يتوجّب علينا تحصيل ملكة التوكّل على الله سبحانه وتعالى وإيجاد القناعة في النفس وأن نقوى حتّى نستمدّ العزيمة من القدرة الأبدية واللامتناهية لله جلّ وعلا وأن لا نقع في شراك الطمع ونستجلب سخطه سبحانه. ويجب علينا أن نعلم أنّ الطمع عبارة عن دوّامة لا تنتهي, ويبتلي الشخص بها أكثر فأكثر إلى حين موته.

   إنّ الطمع يُعطّل الفكر والعقل ويُعرّض الإنسان للسقوط في مهاوٍ كبيرة, يقول الإمام علي (ع): “أکْثَرُ مَصارِعِ الْعُقُولِ تَحْتَ بُرُوقِ الْمَطامِعِ[5].   يقول الإمام السجاد عليه السلام: “رَأَيْتُ الْخَيْرَ كُلَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ فِي قَطْعِ الطَّمَعِ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاس‏”[6].

   ينقل الملا أحمد النراقي في كتابه: “حصل أنّ درويشاً قد ضاقت به السبل جاء إلى منزل خواجة ثري وقال له: لقد سمعت أنّك نذرت لله سبحانه أن تساعد الدراويش وأنا درويش مسكين. فأجابه الخواجة: لقد نذرت أن أعطي الضرير الأعمى وأنت لست بضرير. وقف الدرويش وقال له: أيّها الخواجة, الأعمى الحقيقي هو أنا حيث تركت باب الله المنّان الكريم وجئت طارقاً لبابك أستجدي منك.

 قال ذلك وذهب. تأثّر الخواجة كثيراً وقفل يبحث عن هذا الدرويش, ومهما حاول أن يعطيه شيئاً لم يقبل الدرويش أن يأخذ منه أبدا”[7].

 إنّ الطمع يُؤدّي إلى التعلّق الشديد بالدنيا والتوجّه لغير الله سبحانه والوقوع في مفاسد أخرى. كما أنّ الحرص والطمع هو أحد أسباب الذل والعداوة والبغضاء والحقد والحسد, لذلك نجد أنّ الحريصين يدأبون في جمع مال الدنيا من أيّ طريق يلوح أمامهم ولا يشبعون, وفي الواقع يقعون في حبال الأسر الدائم, كما قال أمير المؤمنين (ع): “اَلطَّمَعُ رِقُّ مُؤَبَّدٌ[8].

 يقول القرآن الكريم عن الحياة الدنيا وما يُؤدّي إلى التكبّر وزيادة طلب الناس: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}[9].

نرى أنّ اللعب واللهو والتفاخر والتكاثر هو عين الدنيا المذمومة. فالمقصود من الدنيا المذمومة ما يُتنازع عليه, أو ما يحصل التفاخر والتكبّر بسببه, أو يستلزم التكاثر وزيادة الطلب. وهذه هي نفس الدنيا التي قد أُمرنا باستصغارها وتحقيرها.  يقول القرآن الكريم: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ}[10]…؛ إذا كان الله هو من يكفينا فلماذا نطمع؟ أليست خزائن السموات والأرض تحت تصرفه وطوع أمره {وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ}[11].

والحمد الله ربّ العالمين


[1]  مجمع البحرين، ج٢،ص٢٨٩.

[2]  ‏تحف العقول، ص٢٠١.

[3]  بحار الأنوار، ج٧٠، ص١٦٨.

[4]  بحار الأنوار، ج٧٠، ص169.

[5]  نهج البلاغة، الکلمات القصار219.

[6]  بحار الأنوار، ج٧٠، ص ١٧١.

[7]  معراج السّعادة، ص٤٠٤.

[8]  نهج البلاغة، الکلمات القصار 180.

[9]  سورة الحدید:الآية۲۰.

[10]  سورة الزمر:الآية ٣٦.

[11]  سورة المنافقون:الآية ٧.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment