صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين.

 عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهيه.

الموضوع:  أوصاف المتّقین (29)

العلامة الأولى للمتقین:

– “فَمِنْ عَلَامَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّكَ تَرَى لَهُ قُوَّةً فِي دِينٍ“.

لقد بيّن أمير المؤمنين (ع) إلى هنا خمسة وعشرين صفة من صفات المتّقين, والتي كانت صفات باطنية ومعنوية مجردة غير مرئية, وسيبين الآن الخصائص والعلامات الخارجية المشاهدة عند المتقين. إن تلك الصفات الخمس والعشرين لا يمكن رؤيتها بشكلٍ واضح جلي. فاليقظة في الليل والتهجد فيه, واتّهام النفس وعدم العجب بها … أمور لا يُمكن للمتقين إراءتها للآخرين واطلاعهم عليها, ولكن ما سيذكره الإمام (ع) من علامات من الآن فصاعداً هي أمور ظاهرة وواضحة يُمكن للآخرين مشاهدتها ورؤيتها.  

هذا وأوّل علامة وخاصية يُشير إليها أمير المؤمنين عند المتقين (القوة في الدين), والتي لا تكون فقط من جهة الاعتقاد بل تظهر في العمل. إنّ إظهار الإسلام وأداء الشهادتين يُدخل الشخص في دائرة الإسلام ويضعه تحت سلطة الأحكام الفقهية للمسلمين, إلّا أنّ التديّن الحقيقي والواقعي أبعد بكثير من إظهار الإسلام وأداء الشهادتين.

الآثار الظاهرية للقوّة في الدین

إذا أظهر شخص إسلامه ولكن لم يصلِّ أو لم يصم أو لم يلتزم بسائر الأحكام الشرعية, فمع أنّه ليس خارجاً عن ربقة الإسلام, ولكن من المسلّم وجود نقص في تديّنه, ذلك أنّ العمل بتعاليم الدين ليس ثمرة ونتيجة الدين فقط, بل جرء منه يرجع للدين وجزء آخر يعود على نفس الإنسان. يقول الإمام الصادق (ع):  

– “الإيمَانُ لايَكُونُ إلّا بِعَمَلٍ، وَالْعَمَلُ مِنْهُ، وَلَا يَثْبُتُ الإيمَانُ إلّا بِعَمَل[1].

يلزم من القوة في الدين القوة في العمل. ومعنى كلام أمير المؤمنين (ع) أنّ القوّة في الدين من علامات أهل التقوى وأنّ الناس الأتقياء يكونون أقوياء وجازمين في العمل بالتعاليم الدينية, لأنّ الإيمان له درجات من القوة والضعف, والمتدين أسير هذا النقصان والزيادة. يُرغّب أمير المؤمنين (ع) أفراد المجتمع بالمحافظة على الدين, ويجعل الدين بمثابة الأخ للإنسان والمحافظة عليه واجبة كما الأخ, وعليه أن يحتاط في التعامل معه. يقول عليه السلام:  

– “أخوكَ دِينُكَ، فاحْتَطْ لدِينِكَ بم شِئتَ[2].

طبعاً هناك أشخاص وجودهم ممتلئ بالإيمان بأكمله ولا يمكن لأيّ أمر أن يُزلزل إيمانهم, وطبقاً لكلام أمير المؤمنين (ع) المتّقون لديهم هكذا حالة. وبالتالي لديهم دين قوي, والدين القوي والإيمان الصلب يظهر في عمل الشخص. وهكذا يكون أهل التقوى أقوياء ثابتين بشدّة للعمل بأحكام الدين الإسلامي.

معیار القرآن في إثبات تديّن الأشخاص

يرى القرآن الكريم أيضاً أنّ علامة تديّن الأشخاص تظهر في أعمالهم. وتكون مع العمل الذي تثبته العقيدة. فثبوت الإيمان يكون مع الاعتقادات, وإثبات الإيمان يكون من خلال العمل بأحكام وأصول الدين. إنّ أهم معيار عملي يُؤسس له القرآن الكريم من أجل إثبات تديّن الإنسان اهتمامه بالأشخاص المحتاجين والضعفاء في المجتمع. يقول الله في كتابه الكريم:

– {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ؛ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ؛ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}[3].

إنّ الذي لا يهتّم لأمر المحتاجين والناس المظلومين في المجتمع يكون تدينه ناقصاً وذلك طبقاً لمنطق القرآن. فمن الممكن أن يكون المظهر الخارجي للإنسان ملفتا, ويكون متدينا, يعرفه الآخرون على أنّه إنسان صاحب كمال ديني رفيع, ولكن عندما تصل النوبة للعمل, ويتطلب الأمر بذل الأموال في طريق الله سبحانه وتعالى وتقف المتطلبات الحياتية والدينية لأفراد المجتمع أمامه, لا يُحرّك ساكناً ويُقصر في عمله.

عدم التدين نتيجة التقصير في العمل

كما يُدلّل العمل على الإيمان والتدين, كذلك عدم العمل يضع الإنسان في خانة البعد عن الدين. والله سبحانه وتعالى يري أنّ سبب وعلّة خروج الناس من دائرة التدين وابتلائهم بالكفر والزندقة تكون من ذنوبهم وارتكابهم للمعاصي. فالذي يكون فرحاً سعيداً هو من يمتلك عقائداً دينية ثابتة, وليس لديه ذرّة ترديد في اعتقاده بالله والنبي والأئمة والقرآن والإسلام والتشيّع و…. ولكن من تقاعص عن الاتيان بالواجبات بسبب الكسل وضعف الإرادة والانصياع للّذات وأقدم على ارتكاب أعمال الحرام, ستتزلزل حتما اعتقاداته وثوابته, وسيشك في الثوابت التي كان يعتقد بها, وفي الأخير سيؤول به الحال إلى إنكارها. يقول القرآن الكريم:

– {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ}[4].


[1]  الکافي، ج2، ص38، حدیث3.

[2]  أمالي الشیخ الطوسي : 110/168.

[3]  سورة الماعون: الآية1-۳.

[4]  سورة الروم:الآية۱۰.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment