خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ
مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد
سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.
الأنبياء في القرآن (32)
سیرة إبراهیم خلیل الله
لقد كان النبي إبراهيم من الأنبياء الإلهيين الكبار وكان ثاني أنبياء أولي العزم وله شريعة تكون أساس سلسلة الأديان التوحيدية الكبرى. ويذكر القرآن الكريم اسمه بعد النبي نوح. ويتعرّض القرآن أحياناً إلى أسماء الأنبياء أصحاب الشرائع ويقول {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى}.
وتارة يُعبّر عن الشريعة الإلهية بالعهد والميثاق, وهو نفس التعبير الرائج عند الديانتين اليهودية والمسيحية {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً}.
مراحل حياة إبراهيم الخليل
يذكر القرآن الكريم ثلاث مراحل عن حياة النبي إبراهيم: حياته في العراق وفلسطين والحجاز.
الحياة في العراق
يظهر أنّ ولادة إبراهيم الخليل ونشأته كانت في بلاد ما بين النهرين وعلى أرض العراق وقد حصلت مواجهته للشرك وعبادة الأصنام في نفس هذه الأرض. فآزر هو إنسان مشرك وعابد للأصنام, وقد عبّر القرآن الكريم عنه بأنّه والد إبراهيم, وكانت أول حادثة لاعتراض إبراهيم على الشرك وعبادة الأصنام عند مواجهته لآزر {وَإِذْ قالَ إِبْراهيمُ لِأَبيهِ آزَرَ أَ تَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَ قَوْمَكَ في ضَلالٍ مُبينٍ}.
وحسب ما يذكر القرآن الكريم كان هذا التقابل بين إبراهيم وآزر مصحوباً بالمحبة والملاطفة. وقد سعى إبراهيم لإرشاد آزر إلى حقيقة هذا العالم وخالقه كي يقلع عن شركه وعبادته للأصنام {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً؛ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً؛ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً؛ يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً؛ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً}.
علاقة آزر مع إبراهیم
ما يظهر من القرآن الكريم أنّ آزر لم يكن والد إبراهيم الحقيقي, وذلك حيث يقول {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}.
فيذكر القرآن أنّ إبراهيم قد استغفر لآزر في اللقاء الأول الذي جمع بينهما, ولكن تبرّأ منه بعد أن تبيّن له أنّ آزر ليس مؤمناً بالله {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}.
ويظهر من هذه الآية أنّ استغفار إبراهيم كان في بدايات حياته فترة تواجده في العراق حيث لم يكن لديه ولد بعد, فطلب من الله عزّ وجل {وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ}.
بينما وكما يذكر القرآن الكريم فإنّ إبراهيم الخليل وبعد أن رزقه الله ولداً في أواخر حياته بعدما صار طاعناً في السنّ فحمد الله وأثنى عليه عندما قال {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ}. فدعا عندها لنفسه وذريته بهذا الدعاء {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}. وطلب من الله المغفرة لوالده الحقيقي ودعا الله سبحانه وتعالى بذلك {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}.
وبالرجوع إلى الروايات نرى أنّ آباء جميع الأنبياء كانوا موحدين وندرك أنّ آزر لم يكن والد إبراهيم الحقيقي, لذلك ذهب المفسّرون إلى أنّ آزر عمّ النبي إبراهيم وليس والده.