صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (57)

(1) سيرة النبي شعيب

لقد تعرّض القرآم الكريم في عدّة سور إلى النبي شعيب ورسالته الإلهية وما كان ينبغي عليه تبليغه لقومه والمشاكل التي واجهها معهم.

وكان النبي شعيب والد زوجة النبي موسى وهو نفس الشيخ الذي زوّج ابنته للنبي موسى كما ذكر القرآن الكريم {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ؛ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}[1].

 الأماكن التي بلّغ فيها شعيب

لقد ذكر القرآن الكريم منطقتين كان شعيب مسؤولاً عنهما في تبليغ الرسالة الإلهية. وإحدى هاتين المنطقتين هي مدين حيث يقول القرآن في بعض الآيات {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا}[2].

وقد ورد أيضاً في آيات أخرى منطقة الأيكة {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ؛ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ؛ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}[3].

الرسائل الإلهية لشعيب

يؤكد القرآن الكريم على عدّة نقاط بعنوانها رسائل النبي شعيب لقومه, وهذا هو نفس الشعار الذي كان يُكرّره جميع الأنبياء {مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}[4]. وكانت بعض هذه الرسائل حسبما يذكر القرآن الكريم مختصة بقوم واحدٍ منهما وبعضاً منها شاملة لكليهما:

  1. التوحيد والنبوّة لله تعالى مع التعقّل

وهذه هي الرسالة التي قد ذُكرت في القرآن الكريم فقط بخطاب النبي شعيب إلى أهل مدين:

{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ }[5]…

لقد أكدّت هذه الآية على التوحيد في العبادة وعبادة الله الواحد بالدليل والبرهان, ومن الواضح أنّ النبي شعيب لم يطلب من الناس الطاعة العمياء لتعاليمه كسائر الأنبياء.

وتشير هذه النقطة إلى أهمّية الالتفات للعقل والفهم في رسالة جميع الأنبياء, ويجب على جميع المؤمنين الالتفات للعقل, وبناء اعتقاداتهم وقناعاتهم مع اللعقل بشكلٍ دقيق.

  1. تقوى الله وطاعة النبي بعد الاطمئنان إلى الصدق والأمانة

ينقل القرآن الكريم هذه الرسالة فقط بعنوانها كلاماً لشعيب في خطابه لأصحاب الأيكة {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ؛ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ؛ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ؛ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}[6].

ونشاهد في هذه الآيات من القرآن الكريم بعد السؤال المقترن بالتوبيخ من أصحاب الايكة (لماذا لا تعمل على أساس التقوى؟) وقبل أن يدعوهم للتقوى وطاعة أوامر الله يشير بداية إلى معرفة الناس له, حيث كان معروفا بين قومه بأنّه شخص أمين, وبعد ذلك طلب من قومه التقوى وإطاعة تعاليم الله بواسطته.

وما يدعو للالتفات في هذه النقطة هو أنّ طاعة أيّ إنسان والأخذ بأيّ رسالة يجب أن يكون بعد حصول الاطمئنان من طرف آخر وهذه رسالة بحدّ ذاتها للإنسان. وهذا ما نجد في تأكيد الإمام الجواد ع حيث يقول:  “مَنْ أَصْغی إِلی ناطِق فَقَدْ عَبَدَهُ، فَإِنْ کانَ النّاطِقُ عَنِ اللّهِ فَقَدْ عَبَدَ اللّهَ وَ إِنْ کانَ النّاطِقُ یَنْطِقُ عَنْ لِسانِ إِبْلیسَ فَقَدْ عَبَدَ إِبْلیسَ».

  1. عدم التلاعب بالميزان

يؤكد القرآن الكريم على عدم التلاعب بالميزان وأنّها رسالة من النبي شعيب إلى كلا هذين القومين. فيقول أيضاً لأهل مدين {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ}[7]…

وخاطب أيضاً أصحاب الأيكة عندما قال {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ؛ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ؛ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ}[8]…

ومن الواضح أنّ هذه الرسالة تشير إلى مكانٍ خاص في رسالة شعيب, وقد خصّصت قسماً مهمّاً من رسائله لهم.

وهنا لا ينحصر التلاعب بالميزان ببيع وشراء أجناسٍ محدّدة, بل إنّ أيّ شخصٍ يتلاعب ويقصر في الأعمال الملقاء على عاتقه سيكون مذنباً ومقصّراً. يقول القرآن الكريم عن المطففين يوم القيامة والجزاء الذي سينالونه {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ؛ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ؛ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ؛ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ؛ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ؛ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[9].

[1]  (قصص:۲۷-28)»

[2]  (اعراف:85)»

[3]  (شعراء:176-۱۷۸)»

[4]  (شعراء:۱۸۰)»

[5]  ﴿اعراف:۸5﴾

[6]  ﴿شعراء:176-179)

[7]  ﴿هود:۸5﴾

[8]  ﴿شعراء:۱۸۱﴾

 ﴿مطففین:۱-6﴾[9]

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment