صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (68)

موسی (9)

ملاحقة فرعون للنبي موسى وبني إسرائيل

خرج فرعون وجنوده من المدينة وراء موسى لملاحقته. يقول القرآن الكريم {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ؛ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ؛ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ؛ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ}[1].

ويذكر القرآن الكريم أنّ أموال الفراعنة بقيت لبني إسرائيل {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ؛ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ}[2].

وصل بنو إسرائيل إلى ساح البحر الأحمر وقناة السويس ولم يتمكنوا من إكمال مسيرهم, هذا وجيش فرعون الكبير يقتفي أثرهم ويلاحقهم, فارتعب بنو إسرائيل من ذلك وكادت أرواحهم أن تزهق من شدّة الخوف.

هنا قال يوشع بن نون الذي كان من أصحاب موسى (ع) له: لقد وصل الفراعنة إلينا ولا نقدر على مواجهتهم, البحر أمامنا والجيش من خلفنا فماذا نصنع؟ يقول القرآن الكريم واصفاً لهذا الموقف {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ؛ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}[3].

فكان من موسى (ع) أن أجابه جواباً يصدق على كل من آمن بالله وعادى أعداءه بحيث لم يبقَ أمامه طريق وسبيل للنجاة والخلاص {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}[4].

يجب على الإنسان المؤمن بالله أن يتوكل عليه ويثق بقوة ومدد الله له, ولا بدّ أن يطمئن إلى أن الله يقف إلى جانبه دائماً ولن يتركه الله وحيداً.

وهنا ووسط هذا الخطب العظيم أوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصال البحر{فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}[5].

العاقبة المخزية لفرعون وقومه

وعندما امتثل موسى لأمر الله وضرب البحر بعصاه وانفلق البحر, سلك موسى وأعوانه ذلك الطريق وخرجوا من الجهة المقابلة بسلام.

وهنا لم يقف فرعون وجنوده فساروا خلفهم وسلكوا نفس الطريق ولاحقوا بني إسرائيل, وعندما خرج بنو إسرائيل من البحر إلى اليابسة أطبق البحر على فرعون وجنوده وغرقوا جميعا.

لقد شاهد فرعون في هذه الأثناء خطر الموت المحدق به بعينيه, وأدرك ضلال ما كان عليه طوال عمره وحياته. فتوجه لله الواحد باكيا وقال: آمنت بإله بني إسرائيل الواحد الأحد وأطعت له {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا، حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ: آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[6].

إن الإيمان بالله في هذا الوقت لا قيمة له. فالإنسان الذي دأب طوال حياته على الكفر بالله واضطهاد المؤمنين وقتلهم والجحود برساله الله ولكن عندما شاهد الموت أمام عينيه ويأس من النجاة أظهر إيمانه فهذا لا قيمة له ومن المقطوع به أنّ هذا الإيمان كاذب. يقول القرآن الكريم في الإجابة على إيمان فرعون {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ؟ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً، وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}[7].

كذلك ورد في التوراة في وصف هذه الحادثة والمعجزة الإلهية الكبرى بأنّ موسى ألقى عصاه في البحر وفلق الله البحر له وسلك طريقا وسط الماء مع بني إسرائيل. وهبّت ريح شديدة طوال الله من المشرق جعلت هذا الطريق يابسا.

بعد ذلك عبر بنو إسرائيل من ذلك الطريق في الوقت الذي وقف فيه ماء البحر من الجهتين كحائط منيع. بعدها سلك فرعون وجنودة وخيوله هذا الطريق وسط البحر. وهنا كانت نهاية فرعون وجنوده. لقد تحطمت عجلات عربات الخيول ولم تتمكن من إكمال مسيرها. فصرخ المصريّون: تعالوا لنهرب, لأنّ الله ينصر الإسرائيلين.

وعندما وصل بنو إسرائيل إلى الجهة المقابلة للبحر أوحى الله إلى موسى أن يرفع يداه مجدداً كي يطبق البحر على المصريين وخيولهم وعتادهم.

فكان من موسى أن استجاب لطلب ربه وعاد البحر إلى حالته الطبيعية. فلاذ المصريون بالفرار لكنّ الله أغرقهم جميعا. ولم يبقَ منهم شخص واحد على قيد الحياة.

[1]  سورة الشعراء:الآية 53 – 56.

[2]  سورة الشعراء: الآية 57-59.

[3]  سورة الشعراء:الآية 60-61.

[4]  سورة الشعراء:الآية 62.

[5]  سورة الشعراء: الآية 63.

[6]  سورة یونس: الآية 90.

[7]  سورة یونس: الآية 91 – 92.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment